نظرة في بحر الرجز في الشعر الحديث

استكشاف مفهوم بحر الرجز في الشعر الحر، التغييرات التي تطرأ على تفعيلته، وأمثلة من الشعر الحديث الذي استخدم هذا البحر.

مقدمة عن بحر الرجز

يُعتبر بحر الرجز أحد الأوزان الشعرية المعروفة في الأدب العربي، وقد صنفه الخليل بن أحمد الفراهيدي ضمن البحور الشعرية. يتميز بوزنه الذي يتكرر ست مرات في البيت الواحد: “مستفعلن، مستفعلن، مستفعلن، مستفعلن، مستفعلن، مستفعلن”.

لقد أطلق على هذا البحر لقب “مطية الشعراء”؛ وذلك لكثرة استخدام الشعراء له في نظم قصائدهم. سبب تسمية هذا البحر بالرجز يعود إلى أن ما يقع فيه يتكون من ثلاثة أجزاء. وقيل إنه مأخوذ من البعير الذي تُشد إحدى يديه، فيصبح واقفًا على ثلاث قوائم.

وهناك تفسير آخر للاسم، حيث يُشتق من الناقة الرجزاء التي ترتجز عند قيامها نتيجة ضعف أو مرض، فيكون قيامها سلسلة من الحركات والسكنات، تمامًا مثل حركات بحر الرجز. وقد شاع استخدام هذا الوزن في الشعر العربي، سواء كان تامًا أو مجزوءًا أو منهوكًا، لأغراض متنوعة، أهمها التعبير عن المشاعر والأحاسيس في المواقف الصعبة والحروب.

نظرًا لسهولة هذا الوزن، غالبًا ما يكون أول ما يتبادر إلى ذهن الشاعر في أوقات الشدة. وقد وردت العديد من القصائد المنسوجة على بحر الرجز في العصر الإسلامي على لسان الصحابة رضي الله عنهم.

التعديلات والإضافات في تفعيلة الرجز

تطرأ بعض التغييرات على وزن بحر الرجز دون أن تؤثر جوهريًا فيه. من بين هذه التغييرات:

  • الرجز المقطوع: هو ما تكون عروضه صحيحة وكاملة، لكن ضربه مقطوع، أي يتحول “مستفعلن” إلى “مستفعل”.
  • الرجز المخبون: ما كانت عروضه مخبونة، أي تم حذف الثاني الساكن منها، وكذلك الضرب، فتصبح “مُتفعلن” بدلاً من “مستفعلن”.
  • الرجز المطوي: ما كانت العروض فيه مطوية، أي تم حذف الرابع الساكن، فتصبح “مستعلن”.
  • الرجز المجزوء: يتم فيه حذف العروض والضرب، وتبقى تفعيلتان فقط في كل شطر.
  • الرجز المشطور: يتم حذف شطر كامل منه والإبقاء على شطر واحد.
  • الرجز المنهوك: يتم حذف ثلثي البيت والإبقاء على ثلث واحد، أي تفعيلتين.

نماذج من الشعر الحديث على وزن الرجز

فيما يلي بعض الأمثلة على قصائد الشعر الحديث التي كتبت على بحر الرجز:

قال الشاعر إبراهيم الرياحي:

أُعِيدُُها هيفا بربّ الفَلَقِ:::ماذا حَوَتْ من بهجةٍ ورَوْنَقِ
قد آنَقَتْ كلَّ حبيب رَمِقِِ:::وفَلَّقَتْ قلبَ حسودٍ حَنِقِِ
إذ وسقت ما يُنْتَقى في نسق:::من رائق المعنى ومبنى رَيِّقِِ
كم قنصت من شاردٍ في وَلَقِ:::وقّيدت من عابدٍ في طَلَقِ
وفتّقت من مُلْتَوٍ مرتبق:::وفتّحت من كلّ كنزٍ مُغْلَقِ

وقال الشاعر صفوان التجيبي:

صَرَمتُ مِن أُنسِيَ حَبلَ الأَمَلْ:::فسَله ما أصابَهُ أو لا تَسَلْ
حالٌ مِن أُنسِي حَبل الأَمَل:::سَرَى بها الركبُ وَطَارَ المَثَل
مَدَامِعٌ تَنحَلُّ أَسمَاطُهَا:::وَلَوعَةٌ عُقدَتُهَا لا تُحَل
وَمُهجَةٌ مُستَطرَفٌ عَيشُهَا:::يَا لَيتَ شِعرِي أَينَ مِنهَا الأجَل
يَا لَيتَ شِعرِي وَالمُنَى جَمَّةٌ:::وَيُغبَطُ المَرءُ بِمَا لَم يَنَل

وقال الشاعر أبو الطفيل القرشي:

قدْ صابَرَتْ فِي حرْبِهَا كِنَانِهْ:::وَاللَّهُ يَجْزِيهَا بِهَا جِنَانَهْ
مَنْ أَفْرِغَ الصبْرُ عَلَيْهِ زَانَهْ:::أوْ غَلَبَ الجُبْنُ عَلَيْهِ شَانَهْ
أوْ كَفَرَ اللَّهَ فَقَدْ أهَانَهْ:::غَدًا يَعَضُّ من عَصَى بَنَانَه

المراجع

  1. جمال عبيدي، الرجز، صفحة 18. بتصرّف.
  2. إبراهيم البعول، البنية الإيقاعية في الشعر العربي، صفحة 13. بتصرّف.
  3. أبحسن بحر الدين، استشهاد النحويين بالرجز دراسة وصفية تحليلية، صفحة 27. بتصرّف.
  4. عبد الرؤوف زهدي، مهارة علم العروض والقافية، صفحة 7. بتصرّف.
  5. “أعيدها هيفا برب الفلق”، الديوان.
  6. “صرمت من أنسي حبل الأمل”، الديوان.
  7. “قد صابرت في حربها كنانه”، الديوان.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

ارتجاج المخ: الأسباب، العلامات، وطرق العلاج والوقاية

المقال التالي

الرجل النرجسي: دوافع الخيانة وعلاماتها

مقالات مشابهة