نظرة في الواقعية بالفقه المالكي

استكشاف أسس الواقعية في الفقه المالكي: الأخذ بعمل أهل المدينة، وقاعدة سد الذرائع، والمصالح المرسلة، وأهمية مراعاة المقاصد الشرعية.

مقدمة حول الواقعية

لكل مذهب فقهي أصوله الخاصة التي يعتمد عليها، والتي يستنبط منها الفقهاء الأحكام الشرعية للمسائل المختلفة. إن أحد أهم أسباب الاختلاف بين الفقهاء هو تباينهم في الأصول والقواعد التي يستندون إليها في استنباط الأحكام. فعلى سبيل المثال، نجد أن الأخذ بالاستحسان يعد من أبرز أصول الفقه الحنفي، وكذلك عند الحنابلة. بينما يرى الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- أن: “من استحسن فقد شرّع”. وتهدف هذه المقالة إلى إلقاء نظرة على مظاهر الواقعية في الفقه المالكي.

جوانب الواقعية في المذهب المالكي

يعزو الباحثون مظاهر الواقعية في الفقه المالكي إلى عدة أسس وقواعد، منها:

الأخذ بمنهج أهل المدينة

يرى بعض العلماء، بمن فيهم الإمام ابن تيمية، أن مذهب أهل المدينة يعود في أصوله إلى الأحكام التي صدرت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم إلى ما قضى به عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. وقد كانت أحكام عمر تستند إلى مصدرين رئيسيين:

  1. اجتهاداته الشخصية ورأيه السديد، مستنداً إلى كونه مُلهماً، فقد قال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لو كانَ نبيٌّ بعدي لَكانَ عمرَ بنَ الخطَّابِ).
  2. وأيضاً: (إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ ‌مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ ‌عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ).

كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يتشاور مع الصحابة ذوي العلم من أهل المدينة، مما أثمر عن ظهور فقه متميز في المدينة، قام عمر -رضي الله عنه- بنشره وتوسيعه. وقد استقى الإمام مالك من هذا المنبع، حيث كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رائداً للفكر المقاصدي، وكان يعمل بالمصالح المرسلة وسد الذرائع، ويوازن بينهما.

إحكام سدّ الذرائع

من أهم الأصول التي يعتمد عليها الإمام مالك هو مبدأ سد الذرائع. هذا الأصل يدعو الفقيه إلى النظر إلى الفقه بمنظور النتائج، والعمل على منع الأسباب التي قد تؤدي إلى الحرام. وبالتالي، يسعى الفقيه إلى منع وصول الحرام إلى الناس، ويحد من الفوضى، مما يجعل المجتمع أكثر استقراراً وتماسكاً.

الاعتماد على المصالح المرسلة

إن الاعتماد على المصالح المرسلة هو أمر معمول به في جميع المذاهب الفقهية، باستثناء المذهب الظاهري، وذلك نظراً لضرورة مراعاة الظروف والأحوال، والعمل على تحقيق المصلحة والغاية التي يسعى إليها الدين. ويقول الدكتور أحمد الريسوني: “غير أن المذهب المالكي، كان أصرح وأوضح في مراعاته للمصالح، باعتبارها المقصد العام للشريعة، والمقصد الخاص لكل حكم من أحكامها، وخاصة في أبواب المعاملات والعبادات، بينما مراعاة المصلحة في المذاهب الأخرى، يشوبها نوع من التردد والغموض”.

اعتبار مقاصد الشريعة

لقد جاء الإسلام لحفظ المقاصد الشرعية، وكل فقيه وافق في اجتهاده هذه المقاصد، كان أقرب إلى الحق، وأكثر تحقيقاً لمراد الشرع. لذا، يجب على المجتهد قبل أن يقدم على الفتوى أن يكون على علم بمقاصد الشريعة من هذا الحكم. فإذا كان القول في مسألة ما لا يحقق تلك المقاصد، فهو قول ضعيف، أما إذا حققها، فهو قول صحيح ومقبول.

المراجع والمصادر

  • الصفي الهندي الأرموي (1426)، الفائق في أصول الفقه (الطبعة 1)، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 440، جزء 2. بتصرّف.
  • ابن تيمية (1416)، مجموع الفتاوى، المدينة النبوية – المملكة العربية السعودية: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 312، جزء 20. بتصرّف.
  • رواه الترمذي، في السنن، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم: 3686، حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث مشرح بن عاهان.
  • رواه البخاري، في الصحيح، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3469 ، صحيح.
  • أحمد الريسوني (1412)، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي (الطبعة 2)، صفحة 61. بتصرّف.
  • عبدالله عبد المؤمن، “أثر الذرائعية والواقعية في المسالك الاجتهادية عند المالكية وتفعيله في القضايا المعاصرة”، دار المنظومة، اطّلع عليه بتاريخ 23/1/2022. بتصرّف.
  • أحمد الريسوني (1992)، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، صفحة 64. بتصرّف.
  • نور الدين بن مختار الخادمي (1421)، علم المقاصد الشرعية (الطبعة 1)، صفحة 15. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

تحضير الوافل اللذيذ بصوص الشوكولاتة

المقال التالي

مكانة الوالدين وأهمية برهما

مقالات مشابهة