مقدمة عن الرضاعة
الرضاعة في اللغة هي عملية مص اللبن من الثدي. أما في الاصطلاح الشرعي، فهي إرضاع الطفل دون السنتين من عمره من ثدي امرأة. وقد أقرّت الشريعة الإسلامية الرضاعة وأعطتها أحكامًا خاصة. وقد ورد ذكر الرضاعة في القرآن الكريم، حيث قال الله -تعالى-:(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ). وأكدت السنة النبوية على أهمية الرضاعة، كما في قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لعائشة -رضي الله عنها- حين استأذنها عمها من الرضاعة بالدخول عليها:(لا تَحْتَجِبِي منه، فإنَّه يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ). وقد أجمع علماء المسلمين على مشروعية الرضاعة وأحكامها.
يجدر التنبيه إلى عنصرين هامين فيما يتعلق بالرضاعة:
- أركان الرضاعة الأساسية هي: المرضِعة (المرأة التي ترضع)، واللَّبن، والرضيع (الطفل الذي يرضع).
- لا تثبت أحكام الرضاعة إلا بطريقتين:
- الإقرار: كأن تعترف المرأة قائلة: “هذا ابني من الرضاعة”.
- البينة: أن يشهد على واقعة الرضاعة رجلان أو رجل وامرأتان.
ضوابط الرضاعة في الشريعة الإسلامية
تشتمل أحكام الرضاعة على عدة جوانب، منها ما يتعلق بمن تحرم الرضاعة الزواج منهم، والشروط التي يجب توافرها لاعتبار الرضاعة مُحرِّمة.
المحرمات من النساء بسبب الرضاع
أوضح النبي -صلى الله عليه وسلم- أن جميع المحرمات بالنسب هن أيضًا محرمات بالرضاعة، وذلك في قوله -عليه الصلاة والسلام-:(يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ). بناءً على هذا، يصبح زوج المرضعة أبًا للطفل الرضيع بالرضاعة، ويصبح إخوته وأخواته أعمامًا وعمات له، وإخوة المرضعة وأخواتها أخوالاً وخالات له. وأبناء وبنات المرضعة يصبحون إخوة وأخوات للطفل الرضيع بالرضاعة. كما أن أبناء الطفل الرضيع يصبحون محرمين على أجداد وجدات وأخوة وأخوات وأخوال وخالات وأعمام وعمات المرضعة. وقد اتفق العلماء على هذا الحكم بالإجماع.
الاشتراطات الشرعية للرضاعة المحرِمة
لكي تكون الرضاعة محرمة شرعاً، يجب توافر عدة شروط:
- أن يكون الرضاع باللبن الخالص: إذا كان الرضاع بغير اللبن كأن يكون بماء، أو دم، أو قيح، فإنه لا يثبت به التحريم.
- أن يكون اللبن من امرأة آدمية: إذا كان اللبن من حيوان غير آدمي، مثل لبن الغنم، فإنه لا يثبت به التحريم.
- أن يكون الرضاع في سن الصغر: ذهب جمهور العلماء إلى أن الرضاع لا يحرم إلا إذا وقع خلال السنتين الأوليين من عمر الطفل الرضيع.
- عدد الرضعات التي تثبت التحريم: اختلف العلماء في عدد الرضعات التي يثبت بها التحريم على النحو التالي:
- الحنفية والمالكية: ذهبوا إلى أن التحريم يثبت بقليل الرضاع وكثيره، وذلك استنادًا إلى عموم قول الله -تعالى-:(وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ).
- الشافعية والحنابلة: اشترطوا أن يكون عدد الرضعات خمس رضعات أو أكثر حتى يثبت التحريم، استنادًا إلى ما روي عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت:(أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمَرَ امرأةَ أبي حُذَيْفةَ فأرْضَعَتْ سالِمًا خَمسَ رَضَعاتٍ، فكان يَدخُلُ عليها بتلك الرَّضاعةِ).
الآثار المترتبة على الرضاعة
عندما تتحقق الرضاعة بالشروط الشرعية الصحيحة، فإنها تُحدث التحريم كما هو الحال في النسب. وكما سبق الذكر، يحرم بالرضاعة ما يحرم بالنسب، وذلك لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-:(يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ).
ويشمل هذا التحريم الزواج، والخلوة، واللمس، وجواز النظر. أما فيما يتعلق بالنفقة، والعتق، ورد الشهادة، وسقوط القود في القتل، وغيرها من أحكام النسب، فإنها لا تثبت بالرضاعة، وذلك لأن النسب أقوى من الرضاع، وبالتالي لا يمكن قياس الرضاع على النسب في جميع الأحكام، وإنما فقط في الحكم الذي أثبتته الأدلة الشرعية.
المراجع
- سورة النساء، آية: 23
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1445 ، صحيح.
- عبد الله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى، الفقه الميسر، صفحة 180-181. بتصرّف.
- عبد الله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى، الفقه الميسر، صفحة 192. بتصرّف.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2645 ، صحيح.
- عبد الله آل سيف (26/11/2014)، “بعض أحكام الرضاع في الفقه الإسلامي”، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 23/2/2022. بتصرّف.
- عبد الله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى، الفقه الميسر، صفحة 181-186. بتصرّف.
- وهبة الزحيلي، الفقه الاسلامي وأدلته، صفحة 7283-7285. بتصرّف.
- رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 26179، صحيح.
- عبد الله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى، الفقه الميسر، صفحة 193. بتصرّف.