نظرة في أحكام التجارة في الشريعة الإسلامية

تعريف التجارة وأحكامها الشرعية، وأدلة مشروعيتها من الكتاب والسنة. استعراض لأركان وشروط التجارة، وأنواعها المختلفة بحسب طبيعة المبيع وطريقة تحديد الثمن. بيان لأنواع التجارة المنهي عنها في الشريعة.

مفهوم التجارة

في اللغة، يدل لفظ التجارة على التداول والتبادل بين طرفين. أما في الاصطلاح الشرعي، فيُقصد بالتجارة مبادلة الأموال أو نقل ملكية شيء ما مقابل عوض مالي.
كما يمكن تعريف التجارة بأنها تمليك المال بالمال بهدف الحصول على الرزق، أو عقد معاوضة مالية يفيد تملك الشيء والمنفعة منه على الدوام.

الدليل على جواز التجارة وحكمها

أقر الإسلام مشروعية التجارة وأجازها، واستند في ذلك إلى القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع. فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم:
“وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا”. (سورة البقرة، الآية: 275)

وقد مارس الرسول صلى الله عليه وسلم التجارة بنفسه، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يمارسونها في حضرته دون إنكار منه، مما يدل على إقرارها. وأجمع علماء المسلمين على أن التجارة هي أحد الوسائل المشروعة للتملك.

والأصل في التجارة هو الإباحة، إلا أنها قد تتغير بحسب الظروف المحيطة بها، فتصبح واجبة أو مستحبة أو مكروهة أو محرمة.

دعائم التجارة

يقصد بالركن، الجزء الأساسي من الشيء الذي لا يتحقق إلا به. وعند جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة، تتكون التجارة من الدعائم التالية:

  • الصيغة: وهي الإيجاب والقبول بين الطرفين.
  • العاقدان: وهما البائع والمشتري.
  • المحل: وهو الشيء المبيع وثمنه.

ويرى الحنفية أن الركن الأساسي في التجارة هو الصيغة فقط، بينما يعتبرون العاقدين والمحل من الأمور اللازمة للصيغة وليست أركانًا مستقلة. وقد اقترح بعض الفقهاء المعاصرين استخدام مصطلح “مقومات العقد” للإشارة إلى الصيغة والعاقدين والمحل، باعتبارها العناصر التي لا يقوم العقد بدونها.

ضوابط التجارة

يشترط في كل من الصيغة والعاقدين والمحل توافر شروط معينة لكي يكون العقد صحيحًا شرعًا. والشرط هو إلزام أحد الطرفين الآخر بأمر فيه منفعة له في العقد. والشروط جائزة في الشريعة الإسلامية ما لم تخالف نصًا شرعيًا أو تحرم حلالًا أو تحلل حرامًا. وتنقسم هذه الشروط بحسب تعلقها إلى:

  • شروط تتعلق بالعاقدين:
    • أن يكون العاقدان بالغين عاقلين.
    • يشترط الحنفية أن يكون العاقدان مختارين غير مُجبرين.
  • شروط تتعلق بالصيغة:
    • أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد.
    • أن يكون الإيجاب والقبول متطابقين.
  • شروط تتعلق بالمعقود عليه (المبيع):
    • أن يكون مالًا مباح الانتفاع به شرعًا.
    • أن يكون موجودًا حقيقة.
    • أن يكون مقدورًا على تسليمه.
    • ألا يكون نجساً.

أصناف التجارة

تتنوع أشكال التجارة وتختلف بحسب طبيعة المبيع وطريقة تحديد الثمن، ويمكن تقسيمها إلى:

أصناف التجارة بحسب طبيعة السلعة

  • التجارة المطلقة: وهي الصورة الأكثر شيوعًا، وتعني مبادلة سلعة بمال.
  • بيع السلم: هو بيع مؤجل يتم فيه تحديد مواصفات المبيع ووقت التسليم، مثل شراء محصول القمح قبل حصاده. فإذا كان المبيع مما ينضبط بالوصف، ويغلب على الظن وجوده في وقت التسليم، فتبايعا على أن يوفر له المبيع في موعده، فهذا هو بيع السلم، وهو جائز بالكتاب والسنة وعلى ذلك عامة علماء المسلمين.
  • الربا: وهو مبادلة مال بمال مع زيادة، وهو محرم في الإسلام.
  • المقايضة: وهي مبادلة سلعة بسلعة أخرى مباشرة، دون استخدام النقود.

أصناف التجارة بحسب آلية تحديد القيمة

  • المساومة: يقتضي هذا النوع أن يقترح المشتري سعرًا على البائع، ثم يتم التفاوض بينهما حتى يتفقا على السعر النهائي.
  • المزايدة: يتم عرض السلعة بسعر ابتدائي، ثم يتنافس المشترون لتقديم أعلى سعر، ويفوز بها من يدفع أعلى ثمن.
  • الأمانة: يعتمد هذا النوع على أمانة البائع في تحديد رأس المال وثمن السلعة بصدق.
    • المرابحة: يطلب البائع ربحًا إضافيًا على ثمن السلعة الأصلي.
    • التولية: يبيع البائع السلعة بنفس ثمنها الأصلي دون ربح أو خسارة.
    • الخسارة (الوضيعة): يبيع البائع السلعة بسعر أقل من ثمنها الأصلي.
  • البيع بالرقم: وضع السعر على السلع وبيع السلع بهذا السعر المسجل عليها، وهو ما نسميه السلعة المسعّرة، وهي ما لا نحتاج سؤال البائع عن سعرها، وهذا الشكل جائز كون الثمن معلوم لا جهالة فيه.
  • الإشراك في المبيع: يعني أن يشترك المشتري مع غيره في ثمن سلعةٍ ما، ويأخذ منها بقدر نصيبه ودفعه في ثمنها.

المعاملات المحظورة

حرم الإسلام بعض أنواع التجارة التي تتضمن ظلمًا أو غبنًا أو تسبب العداوة والبغضاء بين الناس. ومن أبرز هذه الأنواع:

  • بيع الملامسة: وهو أن يقول البائع: أي سلعة لمستها فهي بكذا. وهذا محرم بسبب الجهالة.
  • بيع النجش: وهو أن يزيد شخص في ثمن السلعة أمام المشتري بقصد رفع سعرها. وهذا محرم لأنه من باب الخداع.
  • البيع على بيع أخيه: وهو أن يتفق شخص مع مشترٍ على شراء سلعة بثمن معين، ثم يغير رأيه عند وجود من يدفع له ثمنًا أعلى، أو أن يعرض شخص سلعة على مشتري اتفق مع بائع آخر على شرائها بثمن أقل. وهو محرم لأنه باب كبير للمشاحنة والبغضاء.
  • البيع بعد النداء الثاني لصلاة الجمعة لمن وجبت عليه الصلاة.

الأشياء التي لا يصح بيعها

يحرم التجارة ببعض السلع لما فيها من ضرر أو مخالفة للشريعة الإسلامية، ومن أبرز هذه السلع:

  • الخمر.
  • الميتة والخنزير.
  • الكلاب: ثبت في السنة النبوية الشريفة أن ثمن الكلب منهي عنه.
  • الثمر قبل بدو صلاحه أو الزرع قبل اشتداد حبّه: يحرم بيع الثمار قبل نضوجها أو ظهورها لكون ذلك من باب الجهالة، فلا يعلم أحد إن كانت ستنمو أصلا وهل ستكون صالحة أم لا.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

دراسة حول النظام البيروقراطي في مجال الإدارة العامة

المقال التالي

دراسة في علم التأريخ

مقالات مشابهة