مقدمة
تُعد رواية رجال في الشمس إحدى العلامات الفارقة في مسيرة الأديب الفلسطيني غسان كنفاني، وهي من الأعمال الروائية المؤثرة التي قدمها. نُشرت هذه الرواية لأول مرة في عام 1963، وتتميز بأسلوبها الرمزي العميق الذي يلامس جوهر القضية الفلسطينية. تتناول الرواية موضوعات التشرد والضياع، وتعكس بصدق معاناة الشعب الفلسطيني في أعقاب نكبة عام 1948. من خلال أربعة رجال من أجيال مختلفة، يرسم كنفاني صورة حية لتلك الحقبة المأساوية وتداعياتها على الإنسان الفلسطيني.
دراسة تحليلية للرواية
عند التمعن في أسطر رواية غسان كنفاني “رجال في الشمس”، يتبين للقارئ أن كل كلمة تحمل دلالة رمزية عميقة، تعبر عن واقع الفلسطينيين المرير بعد النكبة. لقد نجح الروائي القدير في تجسيد القضية من خلال شخصيات الرواية، حيث تمثل كل شخصية نموذجاً لشريحة معينة من شرائح الشعب الفلسطيني.
تتمركز أحداث الرواية حول قصة ثلاثة رجال يتخذون قراراً بالهجرة غير الشرعية من فلسطين إلى الكويت، مدفوعين برغبتهم في تحسين ظروفهم المعيشية. يعرض عليهم شخص يُدعى أبو الخيزران تهريبهم عبر الحدود في صهريج شاحنته، حيث يختبئون فيه أثناء عبور نقاط التفتيش. لكن الأحداث تتخذ منحى مأساوياً، إذ يلقى الرجال الثلاثة حتفهم اختناقاً داخل الصهريج، نتيجة خوفهم من إحداث ضجة أو لفت الانتباه إليهم.
استعراض لشخصيات الرواية
تضم رواية رجال في الشمس أربع شخصيات رئيسية تساهم في بناء الحبكة الدرامية وتجسيد الرمزية العميقة للرواية.
- أبو الخيزران: هو المهرب الذي يعرض على الرجال الثلاثة نقلهم عبر الحدود العراقية الكويتية مقابل مبلغ من المال.
- أبو قيس: رجل مسن يقرر الهجرة بحثاً عن لقمة العيش له ولأولاده، ليتمكن من شراء أشجار زيتون تعوضه عن تلك التي فقدها.
- سعد: شخصية سياسية ومناضل يهرب من البلاد بحثاً عن الحرية، يمثل الفلسطيني المطارد والملاحق.
- مروان: المعيل الوحيد لأسرته، يقرر الهجرة هرباً من المسؤولية الثقيلة التي تقع على عاتقه.
دلالات الرمزية في الرواية
تتجسد الرمزية الأساسية في الرواية في مشهد عدم دق الرجال الثلاثة لجدران الخزان. يموتون اختناقاً في الصهريج، دون أن يجرؤ أحدهم على طلب المساعدة. هذا المشهد يرمز إلى غياب الصوت الفلسطيني، وإلى الصمت الذي خيم على الشعب الفلسطيني الذي عانى من التشرد والضياع.
إن عدم دق جدران الخزان يمثل عدم القدرة على التعبير عن الألم والمعاناة، والخوف من المطالبة بالحقوق المشروعة. هذا الصمت هو الذي أدى إلى موتهم، وهو أيضاً ما كان يهدد القضية الفلسطينية في تلك الفترة.
قال تعالى: “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” (التوبة: 105). هذا التأمل يدعونا إلى العمل الدؤوب والمثابرة من أجل تحقيق الأهداف المنشودة، وعدم الاستسلام لليأس أو الخوف.