نظرة على تاريخ مدينة جيجل العريقة

مدينة جيجل: استكشف تاريخ مدينة جيجل الجزائرية العريقة، من أصولها الفينيقية إلى العصر الحديث. تعرف على حضارات تعاقبت عليها وأهم الأحداث التي شكلت هويتها.

لمحة تعريفية عن مدينة جيجل

تقع مدينة جيجل في الجزء الشرقي من الجزائر، وتحديدًا في قلب ولاية جيجل. إنها عاصمة الولاية وكذلك الدائرة التي تحمل نفس الاسم، دائرة جيجل. تعتبر جيجل واحدة من أكبر البلديات في الولاية من حيث عدد السكان. وفقًا لإحصائيات عام 2008، يبلغ عدد سكانها حوالي 134,839 نسمة، يعيشون على مساحة تقدر بحوالي 6238 كيلومتر مربع. يحد المدينة من الشمال البحر الأبيض المتوسط، ومن الجنوب بلدية قاوس، بينما تحدها بلدية الأمير عبد القادر من الشرق، وبلدية العوانة من الغرب.

تحليل جذور اسم جيجل

تشير معظم المصادر التاريخية إلى أن المدينة ذات أصول فينيقية، وأنها من بين الأماكن التي أسسها الفينيقيون في الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط قبل حوالي عشرة قرون من الميلاد. ومع ذلك، هناك اختلاف في المصادر حول أصل تسمية المدينة. يرى البعض أنها فينيقية الأصل، وأن كلمة “إيجلجيلي” (IGILGILI) تعني “شاطئ الدوامة” في اللغة الفينيقية. بينما يرى آخرون أنه إذا كانت الكلمة ذات أصل بربري، فإنها تعني “من ربوة إلى ربوة”. لقد طرأت تغيرات على اسم المدينة عبر العصور، فتحول مثلاً من إيجيجيلي إلى جيجل، وهو الاسم الحالي للمدينة. وبين هذين الاسمين، ظهرت أسماء أخرى مثل: إتلتيلي، زيزري، جيجل، خيخل.

نظرة شاملة على تاريخ جيجل عبر العصور

تعتبر مدينة جيجل من المدن الجزائرية ذات التاريخ العريق والغني، حيث تعاقبت عليها حضارات مختلفة وتركت بصماتها الواضحة على معالمها وتراثها. فيما يلي عرض لأهم المراحل التاريخية التي مرت بها المدينة:

جيجل تحت السيطرة الرومانية

أعاد الرومان بناء المدينة وفقًا للتصاميم الرومانية. تشير المصادر التاريخية إلى أن الرومان الذين استوطنوا المدينة كانوا من الفرقة السابعة، وهم من أقدم المحاربين الرومان. في البداية، تم ضمها إلى موريتانيا القيصرية خلال التقسيم الإداري لمنطقة شمال إفريقيا، ثم إلى موريتانيا السطايفية. شهدت المنطقة العديد من المعارك والثورات، ولكن كمنطقة رومانية، لا توجد الكثير من الوثائق والأدلة عليها، على الرغم من استخدامها كميناء تجاري يتم من خلاله نقل المحاصيل القمحية، حيث كانت المحاصيل تأتي إليها من سطيف وجميلة وعين لكبيرة. من بين الآثار التي خلفها الرومان: الفسيفساء الملونة الموجودة في قرية الطوالبية، التي تبعد حوالي عشرة كيلومترات عن المدينة.

فترة حكم الوندال

وصل الوندال البرابرة إلى المدينة في القرن الخامس الميلادي، وألحقوا بها الخراب والفساد، وحولوا المدينة إلى مستعمرة وندالية، مما أدى إلى القضاء على مظاهر الازدهار التي تركها الرومان في المدينة.

السيطرة البيزنطية على جيجل

كان الاحتلال البيزنطي لمنطقة شمال أفريقيا بمثابة محاولة لاستعادة سلطة روما. اتجهت القوات البيزنطية من القسطنطينية إلى سواحل تونس، فأسقطوا قرطاج والعديد من المدن الساحلية، بما في ذلك مدينة جيجل، وحولوها إلى مرفأ.

الفتح الإسلامي لجيجل

في العهد الإسلامي، تم فتح المدينة على يد موسى بن نصير في سنة 720م. وقد ذكر ابن خلدون عن أهل المنطقة أنهم ارتدوا عن الإسلام اثنتا عشرة مرة، ولكنهم بعد الفتح الإسلامي للمدينة اعتنقوا الإسلام بشكل رسمي.

دور كتامة في قيام الدولة الفاطمية

لعبت قبيلة كتامة دورًا كبيرًا في قيام الدولة الفاطمية، حيث قام رجال كتامة بإسقاط دولة الأغالبة في القيروان، وانتهى المطاف بهم في مصر، واتخذوا من القاهرة عاصمة لهم، وأنشأوا الأزهر الشريف وغيره.

الغزو النورماندي لجيجل

احتل الملك روجي الصقلي المدينة ودمرها في عام 1143م. وفي عام 1146م، انتشرت في المدينة مجاعة جعلت الناس يأكلون لحوم البشر من شدة الجوع، واستغل ملك الموحدين هذا الوضع وقضى على الدولة الحمادية واستعاد مدينة جيجل وضمها إلى مملكته التي أنشأها.

الاحتلال الجنوي لجيجل

تحولت المدينة في عهد الجنويين إلى سوق كبير لبيع العبيد، وإلى مرفأ تجاري على الساحل الأفريقي. استمر الوجود الجنوي لمدة ثلاثة قرون، وأثر وجودهم على سكان المدينة بشكل كبير وعلى اللغة والحرف في المدينة أيضًا.

دور الأخوين بربروس في تحرير جيجل

مع اشتداد الحملات الإسبانية على المغرب وسقوط العديد من المواقع والمدن، جاء الإخوة بربروس بأسطول بحري أنقذ المدينة من الجنويين، ثم من الاحتلال الإسباني الذي أوشك أن يوقع المدينة. أصبحت المدينة ذات أهمية عند الأتراك؛ حتى أن أهل المدينة لم يدفعوا الضرائب مثل المناطق الأخرى، وتم اعتبار المدينة عاصمة للجزائر.

حملة الدوق دي بوفور على جيجل

في القرن السابع عشر وتحديدًا في السنة الرابعة والستين منه، كان البحر الأبيض المتوسط مكانًا لحروب كثيرة، ولم تحترم أي دولة المعاهدات المبرمة. ولهذا أصدر الملك لويس الخامس عشر أمرًا بتنظيم حملة على مدن الساحل الجزائري مع احتلال واحدة من المدن. كان اقتراح الدوق دي بوفور أن يتم احتلال مدينة جيجل ومينائها؛ نظرًا للأمن الموجود في هذا الميناء للبواخر والسفن. دارت معارك عديدة بين أهل المدينة والفرنسيين، انتهت باحتلال فرنسا للمدينة، ولكن تم إعلان الجهاد ضدهم ونظمت القوات والجيوش التركية التي جاءت من الجزائر للدفاع عن المدينة. بعد عدة خسائر في صفوف الفرنسيين، سحب الملك لويس الخامس عشر الثقة من الدوق دي بوفور وأعطاها للكونت دوقادين، ولكن رغم تغيير القائد الفرنسي ظلت الخسائر تطارد الفرنسيين حتى أعلنوا الانسحاب في الحادي والثلاثين من شهر أكتوبر من عام 1664م.

ثورة الأحرش في جيجل

بعد كل الأحداث والمعارك التي شهدتها المدينة، وصل البودالي، وهو محمد بن عبد الله بن الأحرش، إلى جيجل وبدأ في التخطيط لثورة كبيرة. وفي فترة وجيزة، التف حوله عدد كبير من المؤيدين والقبائل والمناصرين، وقام بتأسيس معهد لتعليم الصبية القرآن ومبادئ الفقه، وحارب النصارى وأرسل العديد من السفن لمراقبة البواخر الفرنسية التي كانت تأتي إلى جيجل بهدف الصيد والتجارة، واستطاعوا الاستيلاء على واحدة من السفن. بعد ذلك حاولت حكومة الداي القبض على الأحرش، لكن الأحرش أعلن الحرب على سلطة البايلك في جوان وتوجه إلى قسنطينة مع جموع وصل عددها إلى ستين ألفًا، وجرح الأحرش. ووقعت بعد ذلك الكثير من المناورات والمعارك، وفي عام 1809م بعث الداي رسالة إلى محمد أمقران يأمره فيها بالابتعاد عن الأحرش.

Total
0
Shares
المقال السابق

لمحة تاريخية عن مدينة تطوان

المقال التالي

نبذة تاريخية عن مدينة حلب

مقالات مشابهة