نظرة على الموروث الإماراتي

استكشاف غني للموروث الإماراتي: العادات والتقاليد، الاحتفالات، طقوس الزواج، المناسبات الدينية، شهر رمضان الفضيل، وإتمام حفظ القرآن الكريم.

مقدمة حول التراث الإماراتي

يمزج الموروث في دولة الإمارات العربية المتحدة بين الأصالة المتجذرة والحداثة المعاصرة، حيث يعود هذا الموروث المتنوع إلى آلاف السنين. تولي الدولة اهتماماً بالغاً بالحفاظ على هذا الإرث ونقله للأجيال القادمة. يسعى قادة الدولة وعلى رأسهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وأعضاء المجلس الأعلى إلى إحياء الموروث الذي تركه الآباء والأجداد، وتعزيز قيمه ومفاهيمه في نفوس الشباب لربطهم بالماضي العريق. يتم ذلك من خلال خطط وبرامج منظمة تهدف إلى تعريف الجيل الجديد بتاريخ بلادهم وحضارتهم.

على الرغم من التطور الكبير الذي شهدته الإمارات وتحولها من قرى ساحلية تعتمد على الصيد وتجمعات سكانية بدوية إلى دولة حديثة متقدمة، إلا أنها ما زالت متمسكة بقيمها وتقاليدها العريقة. يفخر الشعب الإماراتي بموروثه، ويعمل جاهداً على حماية الأجيال الصاعدة من فقدان الهوية ونسيان الموروث العربي الإسلامي، خاصة في ظل التنوع الثقافي الذي تشهده الدولة بوجود أكثر من 200 جنسية مختلفة.

نظراً للتغيرات والتطورات المستمرة التي يشهدها العالم، والتي قد تهدد الموروث الإماراتي، تعمل الدولة جاهدة على صون تراثها من خلال وضع خطط ومشاريع استراتيجية لحمايته والحفاظ عليه. ومن بين المؤسسات التي تعمل على حماية الموروث في الإمارات: نادي تراث الإمارات، وجمعية الإمارات للغوص، ومركز الوثائق والبحوث، وجمعية إحياء الشعب، بالإضافة إلى المتاحف والقرى التراثية التي تعرض نماذج متنوعة من الموروث الإماراتي عبر التاريخ.

أبرز التقاليد والعادات الإماراتية

يتجسد الموروث الإماراتي في العادات والتقاليد التي تناقلتها الأجيال، والتي تستند في جوهرها إلى تعاليم الدين الإسلامي السمحة والعادات العربية الأصيلة. ومن بين هذه العادات:

الاحتفالات والمناسبات السعيدة

الأعياد: يؤدي سكان الإمارات صلاة العيد في المساحات المفتوحة، ثم يعودون إلى منازلهم لتبادل التهاني بين الأهل والأقارب والجيران. أما إذا كان الأقارب يقيمون في مناطق بعيدة، فإن الزيارات تبدأ بعد الظهيرة. يملأ الفرح البلاد في العيد، ويهتم الناس ببعضهم البعض، حيث يعطف الغني على الفقير، ويحن الكبير على الصغير، ويتبادل الناس الهدايا وأنواع الطعام المختلفة، كما يزول الخلاف بين المتخاصمين.

يفرح الأطفال بالعيد، ويجهزون ملابس العيد ليلة العيد، وفي الصباح يذهبون مع أسرهم لأداء صلاة العيد، ثم يعودون والفرحة تغمر قلوبهم ليلعبوا معاً ويجمعون الهدايا (العيديات) من أقاربهم، ويشترون الحلويات والألعاب والبيض الملون، ويستمتعون باللعب في الأراجيح. تتجمع العائلات والجيران طوال أيام العيد للعب جماعياً بهدف الترفيه وإدخال البهجة إلى قلوب الأطفال. ومن الألعاب التي يمارسها الأطفال في العيد ركوب الخيل واللعب بالسيوف. وعندما يحين موعد الغداء، يجتمع الأهل في منزل الأكبر سناً لتناول الطعام، حيث يتم تناول الطعام بشكل منفصل بين الرجال والنساء.

من مظاهر العيد في الإمارات قيام النساء بتنظيف المنازل قبل العيد، وتنظيم اجتماعات لتفصيل ملابسهن بشكل جماعي، وارتداء الملابس الشعبية المتمثلة في الكندورة المخورة والسروال والشيلة، وتسريح الشعر بطريقة العكفة، ووضع الكثير من العطر. كما يتم تجفيف أوراق الحناء قبل العيد بشهر أو شهرين، ثم تطحن وتنخل، وتبقى كذلك حتى أسبوع قبل العيد، ثم تعجن بالليمون المجفف المغلي، وتنقش على الأيدي أكثر من مرة لزيادة احمرار اللون وجماله. أما الرجال قديماً فكانوا يجهزون ملابس العيد قبل فترة طويلة، وإذا لم يكن لديهم ملابس جديدة، يتم صبغ الملابس القديمة باستخدام نبات الورس الذي يطحن مع الزعفران والهيل والجوز، ويخلط بقليل من الزيت ثم يوضع على النار، وبعد ذلك توضع الثياب في إناء ويسكب الخليط فوقها.

مراسم الزواج: تُعتبر مراسم الزواج السائدة في الإمارات جزءاً من العادات والتقاليد المتوارثة، وعلى الرغم من وجود بعض الاختلافات الطفيفة في التفاصيل، إلا أن النمط العام يبقى ثابتاً. تبدأ مراسم الزواج عندما يختار الشاب شريكة حياته، ويستند اختياره إلى تعاليم الدين الإسلامي، حيث يختار ذات الدين والخلق الحسن، ويحرص على أن تكون سمعتها طيبة ومن أصل كريم ومكانة اجتماعية مناسبة له ولعائلته.

في الماضي، كان الإماراتيون يفضلون الزواج من الأقارب لتعزيز الترابط الأسري، مما يغنيهم عن الحاجة إلى الخاطبة التي تساعد في البحث عن العروس المناسبة. وإذا احتاج أحدهم إلى مساعدة الخاطبة، فإنها تزور منزل الفتاة وتراقبها دون علمها أو علم أهلها، حيث أن الإعلان عن ذلك ليس من العادات والتقاليد. ثم تنقل الخاطبة ما شاهدته إلى أهل العريس بكل صدق وأمانة. وإذا تمت الموافقة من الطرفين، يتفق أهل العروسين على مهر العروس، ويقوم العريس بتأثيث بيت الزوجية ودفع تكاليف العرس بالكامل، بما في ذلك المهر والزهبة وحفل الزواج والولائم.

المناسبات الدينية وأهميتها

تُعدّ المناسبات الدينيّة في الإمارات من المظاهر الاجتماعيّة التي تؤثر بشكل إيجابيّ في المجتمع، حيث تزيد تماسك المجتمع وتعاونه، ومن المناسبات الدينية التي يهتمّ بها شعب الإمارات ما يأتي:

ليلة منتصف شعبان: تجتمع بعض العائلات ليلة منتصف شعبان ليقرأ أفرادها سورة يس، ثمّ يبتهلون ويدعون دعاء ليلة النصف من شعبان، وتُقدَّم الهدايا للأطفال وتُدعى حقّ الليلة، كما يتصدق الناس بالأرز، والتمر، والمكسّرات، والطحين، والدراهم، ويحصل الأطفال على الحلوى، أو المكسرات المسمّاة النخّي، وهي الحمص والحبة الخضراء، ويضعوا ما يحصلوا عليه في كيس من القماش يُدعى الخريطة، يعلّقه الطفل على عاتقه، ويتنقّل به من بيت لآخر ليجمع الحلوى، وهو يغني: (أعطونا الله يعطيكم أعطونا مال الله، بيت مكة يوديكم سلّم لكم عبدالله).

شهر رمضان المبارك: تتغير حياة الناس المعتادة بمجرد حلول شهر رمضان المبارك، فقبل أذان المغرب يتم توزيع الأطعمة والحلويات أمام البيوت وبمشاركة من الناس جميعاً، فيأكل من المائدة من انقطعت به السبل ومن يمرّ من الطريق في ذلك الوقت، ويأكل منها أهل الحيّ، والغريب، والقريب دون حرج أو دعوة من أحد، ويرسل الأهالي المقيمين حول المساجد الماء والطعام إلى المصلين، ويتم تبادل وجبات الإفطار بين الجيران قبل حلول موعد الإفطار، وتزدهر المساجد بالمصلين في صلاة التراويح، بالإضافة إلى أنّ بعض البيوت تنظم جلسات ذِكر في الليل سواء للرجال أم للنساء، وتجدر الإشارة إلى أنّ الهريس هي الأكلة المفضلة في شهر رمضان المبارك، والتي تصنع من حب البُر، حيث يشتريه التجار في نصف شهر شعبان ليُنقى، ويُطحَن، ويُطهَى في أفران أرضية خاصة به.

ختم حفظ القرآن الكريم: كان الاحتفال بإتمام حفظ القرآن الكريم من العادات السائدة في دولة الإمارات، حيث يتم الاحتفال بمن ختم حفظ القرآن الكريم وتكريمه، فتتفّق عائلة الحافظ لكتاب الله على تحديد يوم ليُطَاف به في الفريج؛ بهدف إشهار حفظه لكتاب الله، ويرتدي الأطفال أجمل ثيابهم، وتتزين الفتيات بالحليّ، ويصبغن أيديهنّ بالحناء، ويردد الأطفال التحميدة وهي عبارة عن أناشيد دينية، ويستمر طواف الأطفال، والعائلات لمدة تزيد عن ثلاثة أيام.

عودة حُجاج بيت الله: تمثل عودة الحجاج أو الغواصين مظهراً من المظاهر الاجتماعية السائدة التي تدل على تماسك أفراد المجتمع وتكافلهم، ويتمثل الاحتفال بعودة الغائب برفع قطعة من القماش فوق بيته يُطلق عليها البيرق، أو البنديرة، أو النشرة.

الصناعات اليدوية والحرف القديمة

اعتمد شعب الإمارات قديماً على استخدام المواد الأوليّة الموجودة في بيئته وذلك لبناء الآلات البسيطة، وصناعة الأشياء بطريقة يدويّة وحرفيّة عالية، ومن أهم الصناعات اليدوية السائدة صناعة السفن والتي استخدموا فيها إمكانيات أولية بدائية، وبسيطة، مثل: المطرقة، والمنشار، وأداة ضبط المسافات وهي الدواة، وأداة ثقب الأشياء وهي المجدع، ومن الحِرف التي سادت ما يأتي:

  • حِرف البيئة الجبلية، مثل الزراعة، والرعي، وصناعة الفخار.
  • حِرف البيئة الصحراويّة، مثل الحياكة، والغزل، وتربية الإبل والأغنام.

من الأمثلة على الحرف والصناعات المنتشرة صناعة الخوص، وحرفة المعقصة، وصناعة السدو، وحرفة التلّي، وحرفة الجلافة، وصناعة الأواني النحاسية، وصناعة الحديد، والنقش على الجبس،ودباغة الجلود، وصناعة الأحذية، وصناعة العطور، والمواد الغذائية.

الأزياء الشعبية المميزة

تتميز الأزياء الشعبيّة الإماراتيّة بطابعها الإسلامي العربي الأصيل، فهي طويلة، وفضفاضة، وساترة للجسم سواء للرجال أم للنساء، كما أنّ لها خصائص محددة، مثل طريقة ارتدائها، وألوانها، وزخرفاتها، وتتميز ملابس النساء بتنوعها تبعاً للمناسبة التي يتم ارتادؤها فيها، أما ملابس الرجال فتتميز بطبيعتها القطنية وببساطتها، كما يغلب عليها اللون الأبيض والتصميم الموحد، ويتكون زي النساء من الشيلة، والثوب، والعباءة، والبرقع، والسروال، أما زي الرجال فيتكون من العقال، والغترة، والشال، والسفرة، والعصاة، والقحيفة.

تعتبر السويعية من اللباس السائد بشكل كبير، وهي عبارة عن عباءة لونها أسود حجمها كبير مقارنة بالمرأة التي ترتديها، والهدف من حجمها الكبير هو الاحتشام والسترة عند خروجها من بيتها، وكانت المراة تلبسها لتدلّ على أنّها متزوجة، حيث تلبسها المرأة بعد زواجها مباشرة عند خروجها من المنزل.

الألعاب الشعبية القديمة

من الألعاب الشعبية التي سادت المجتمع الإماراتيّ:

  • الغُميضة: يتمّ فيها عصب عيون أحد الأطفال ليجري وراء أصحابه ويمسك بهم، وهذه اللعبة مشتركة بين الجنسين.
  • المريحان: يتم فيها تخصيص مكان عام مليء بالأشجار؛ ليتم ربط حبال متينة في جذوع الأشجار لتصبح كالأرجوحة يلعب بها الأطفال.
  • المسطاع: تتكون هذه اللعبة من قطعة خشبية صغيرة وعصا، وعلى كلّ طفل يحين دوره ضرب القطعة الخشبية بالعصا إلى أبعد مكان يقدر عليه، ثمّ تُقاس المسافات ليحدد الفائز.
  • الكرابيّ: هي لعبة يتمّ فيها القفز على رجل واحدة، ويتمّ ربط علب فارغة بحبال تحت الأرجل لتمشي البنات بها وكأنهنّ يرتدين الكعب العالي.

هناك الكثير من مظاهر التراث التي تسعى حكومة دولة الإمارات للحفاظ عليها خاصّة المتعلّقة بالأمثال الشعبيّة، والفنون، والألغاز الشعبيّة، والطبّ الشعبيّ.

Total
0
Shares
المقال السابق

نظرة على الجزائر: أرض الشهداء والتاريخ

المقال التالي

استعراض لسطح الأرض في العالم الإسلامي

مقالات مشابهة

سمات النظم الإيكولوجية: تحليل شامل

استكشاف التسلسل الهرمي الإيكولوجي، والتنوع البيولوجي، واستقرار النظام البيئي، ودرجة تنظيمه، وتفاعلات الكائنات الحية. فهم شامل للعوامل الحيوية وغير الحيوية وتأثيرها المتبادل.
إقرأ المزيد