المحتويات
نظرة عامة على العصر العباسي
بدأت فترة حكم الدولة العباسية بتولي عبد الله بن محمد بن علي بن عباس، المعروف بـ (أبي العباس السفاح)، زمام الأمور في سنة 132 هجرية، وانتهت بمقتل المستعصم بالله على يد التتار في سنة 656 هجرية. يمكن اعتبار هذه الحقبة الزمنية فترة تحولات عميقة في التاريخ الإسلامي.
فترات العصر العباسي
يمكن تقسيم العصر العباسي إلى أربع فترات رئيسية، تتميز كل منها بخصائصها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
الفترة العباسية الأولى
تعتبر هذه الفترة بداية قوية للخلافة العباسية، حيث بدأت بخلافة أبي العباس السفاح واستمرت حوالي 97 عامًا (132 هـ – 232 هـ). تميزت هذه الفترة بتأسيس الدولة وترسيخ أركانها، وكانت فترة حكم أبي العباس فترة قوة وصبر.
الفترة العباسية الثانية
تميزت هذه الفترة بالنفوذ المتزايد للأتراك (232 هـ – 334 هـ)، وشهدت بداية ضعف الخلافة في عهد المتوكل. خشي المنتصر ابن الخليفة المتوكل من تفضيل والده لأخيه المعتز، مما دفعه للتآمر مع الأتراك للتخلص من والده، مما أدى إلى ظهور الانقسامات السياسية.
الفترة العباسية الثالثة
هيمنت على هذه الفترة السيطرة البويهية الفارسية (334 هـ – 447 هـ)، وازدادت شكاوى الناس من الفقر والمرض نتيجة لسيطرة الأتراك السابقة. تمكن البويهيون من فرض سيطرتهم على الخلافة، ولكنهم سقطوا بسبب الانقسامات الداخلية.
الفترة العباسية الرابعة
عادت السيطرة في هذه الفترة إلى السلاجقة (الأتراك)، وشهدت مبايعة اثني عشر خليفة. استعادت الخلافة هيبتها، حيث قدم السلاجقة الاحترام والتوقير للخليفة لكونهم على مذهب أهل السنة. ومع ذلك، بدأ السلاجقة بسحب النفوذ والقوة من الخلفاء، ولكن بسبب الخلافات الداخلية ضعفت قوتهم، وعادت السلطة والقوة إلى الخلفاء العباسيين.
الحياة الاجتماعية في الحقبة العباسية
يمكن تقسيم المجتمع العباسي إلى ثلاث طبقات رئيسية، ولكل طبقة خصائصها وميزاتها.
الطبقة العليا
شملت هذه الطبقة الولاة والوزراء والخلفاء وكبار رجال الدولة والأمراء. تميزت هذه الطبقة بالترف والنعيم.
الطبقة الوسطى
ضمت هذه الطبقة رجال الجيش والصناع وموظفي الدواوين والتجار، بالإضافة إلى الشعراء والمغنين.
الطبقة الدنيا
تكونت هذه الطبقة من الزراع والخدم والرقيق وأصحاب الحرف الصغيرة. عانت هذه الطبقة من صعوبات اقتصادية كبيرة.
كانت الحالة الاقتصادية للدولة أحد أهم مرتكزات الحياة الاجتماعية. شهدت الدولة حالة من التشتت الاقتصادي، وانتشر إقطاع الأراضي وفرضت الضرائب على الطبقة الدنيا، بالإضافة إلى انتشار الرشوة بين موظفي الدولة.
مكونات المجتمع العباسي
تكون المجتمع العباسي من عدة فئات كان لها تأثير كبير على الحياة الاجتماعية:
- العرب: شغلوا مناصب هامة في الخلافة وكان لهم نفوذ كبير. تميزوا بالاعتزاز بالنفس والميل إلى الأدب والرغبة في السيادة.
- الفرس: عملوا في النظام السياسي والإداري للدولة، ولكن الأتراك أبعدوهم عن مناصبهم، مما دفعهم إلى التآمر والمطالبة بالاستقلال.
- الأتراك: تولوا مناصب سياسية رفيعة في الدولة، وقاموا بالقضاء على نفوذ العرب والفرس. عرفوا بضعف الأخلاق وحب جمع الأموال، واشتهروا بالنظافة وكثرة الجواري في قصورهم.
- الروم: تواجدوا بأعداد كبيرة في هذا العصر بسبب كثرة الأسرى في الحروب وانتشار التجارة. انتشرت الجواري من النساء، وكان لهن تأثير كبير على المجتمع، حيث كانت أمهات بعض الخلفاء من أصول رومية أو فارسية أو حبشية.
- الزنوج السود: جلبوا من أفريقيا الشرقية والهند وأوساط آسيا، وعملوا في الفلاحة والصناعة.
على الرغم من اختلاف فئات المجتمع العباسي، إلا أنه انقسم إلى طبقة خاصة وطبقة عامة. تركزت معظم الثروات والأموال والنفوذ في يد الطبقة الخاصة، مما أدى إلى الترف والإسراف في البناء، مثل بناء المعتصم بالله لمدينة سامراء، وبناء المتوكل لمدينة الجعفرية، والمعتضد لقصر التاج وقصر الثريا.
أدى هذا التنوع في الحياة بين الخاصة والعامة إلى ظهور جماعات سرية وأصحاب مذاهب يمزجون الأغراض الاجتماعية بالمبادئ الدينية، كما قامت جماعات تكافح المجون والشك في الدين.
ولَّدَ هذا الامتزاج الشديد بين الأجناس المختلفة فنونًا أدبية جديدة كالقصص والمقامات وأدب الزهد والتصوف وأدب الطبيعة، وأثر على تطور فن الوصف واتساع مجاله في الأدب العربي.
