نظرة على التشاؤم في ثلاثة أشياء

استكشاف مفهوم التشاؤم المتعلق بالمرأة والفرس والدار في ضوء الحديث النبوي. تحليل أسباب هذا الربط وتوضيح الأضرار المترتبة على الاعتقاد بالشؤم.

الحديث عن التشاؤم في ثلاثة

روى الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال:

(سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إنَّما الشُّؤْمُ في ثَلاثَةٍ: في الفَرَسِ، والمَرْأَةِ، والدَّارِ).[١]

وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله- أيضاً عن عبد الله ابن عمر -رضي الله عنهما- أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال:

(لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ وإنَّما الشُّؤْمُ في ثَلاثَةٍ: المَرْأَةِ، والْفَرَسِ، والدَّارِ)[٢][٣]

التبرئة من التشاؤم في الحديث

وردت عدة تفسيرات لهذا الحديث، نظراً لاحتمال روايته بالجزم أو الشرط، وفيما يلي توضيح لهذه التفاسير:

ورد أنَّ أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنكرت هذا الحديث:

(أنَّ رَجُلَينِ دَخَلا على عائِشةَ فقالا: إنَّ أبا هُرَيرةَ يُحدِّثُ أنَّ نَبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يقولُ: إنَّما الطِّيَرةُ في المَرأةِ، والدَّابَّةِ، والدارِ، قال: فطارَتْ شِقَّةٌ منها في السماءِ، وشِقَّةٌ في الأرضِ، فقالَتْ: والذي أنْزَلَ القُرآنَ على أبي القاسِمِ ما هكذا كان يقولُ، ولكِنَّ نَبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يقولُ: كان أهلُ الجاهِليَّةِ يقولون: الطِّيَرةُ في المَرأةِ والدارِ والدَّابَّةِ، ثم قَرَأتْ عائِشةُ: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ).[٦]

يتضح من هذا أن النبي ﷺ ذكر ما كان شائعاً بين أهل الجاهلية.

ذكر الإمام مالك أن الاعتقاد بالشؤم في الدار والفرس والمرأة لا أساس له، مشيراً إلى أن العديد من المساكن شهدت هلاك قاطنيها ثم بقاء آخرين فيها.

بين آخرون أن من اعتقد بالشؤم في الدار أو الفرس أو المرأة، فإن هذا الاعتقاد قد يتحقق بسبب ضعف التوكل على الله وحده، والاعتماد على غيره، فالتطير بهذه الأشياء يعتبر نوعاً من الشرك الخفي.

أوضح القرطبي وغيره أن الرسول ﷺ لم يذكر المرأة والفرس والدار كمسببات للشؤم، بل كأكثر الأمور التي قد تثير التشاؤم عند الناس، نظراً لشيوع المصائب المتعلقة بها. فالخير والشر والنفع والضر بيد الله وحده، وهو القادر على خلق ما يشاء من الشؤم أو البركة.

لماذا تم الربط بين الشؤم وهذه الثلاثة؟

ذكر الحديث أن الشؤم قد يكون في المرأة والبيت والدابة، ولكن هل ينحصر الشؤم فيها فقط؟ وما المقصود بالشؤم فيها؟

أشار ابن العربي إلى أن تخصيص الدار والفرس والمرأة بالذكر ليس معناه انحصار الشؤم فيها، بل لأنها أكثر ما يلازم الإنسان في حياته.

ذكر البعض أن الشؤم في الفرس والدار والمرأة هو مجازي، فمثلاً الدار تمثل المكان بشكل عام، وقد يقضي الله بمرض يصيب بلدة بأكملها، أو بموت كل من يسكن داراً معينة. وفي النساء، قد يقضي الله بموت كل من يرتبط بامرأة معينة، وهذا هو قدرهم المكتوب.

يرى عبد الرزاق والخطابي وغيرهما أن شؤم الدار يتمثل في سوء الجيران، وشؤم الفرس في عدم استخدامها في الجهاد، وشؤم المرأة في سوء أخلاقها أو عقمها.

يرى الخطابي وابن قتيبة أن الشؤم في الدار والمرأة والفرس يكون في كراهيتها والرغبة في مفارقتها. فكراهية الدار أو الفرس تؤدي إلى بيعها، وكراهية المرأة تؤدي إلى الطلاق والفراق. وقد قال ابن العربي والخطابي: إذا استقر الشؤم في قلب العبد وكانت هذه الأشياء من أسباب عذاب القلب، فإن تركها ومفارقتها أولى، لما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه-:

(قال رجُلٌ: يا رسولَ اللهِ، إنَّا كنَّا في دارٍ كثيرٌ فيها عدَدُنا، وكثيرٌ فيها أموالُنا، فتحوَّلْنا إلى دارٍ أُخرى فقَلَّ فيها عدَدُنا، وقلَّتْ فيها أموالُنا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ذَرُوها ذَمِيمةً).[٩]

وقيل إن الشؤم في الدار أو المرأة أو الفرس هو قلة التوافق معها، أو سوء طباعها، أو عدم الراحة فيها.

وقيل إن شؤم الدار صغرها وضيقها أو بعدها عن المسجد وصعوبة سماع الأذان منها، وشؤم المرأة سلاطة لسانها، وشؤم الفرس غلاء ثمنها.[١٠]

ما هو الشؤم؟

الشؤم لغةً هو عكس اليمن. يقال تشاءم القوم بالرجل أي صار الرجل شؤماً عليهم. ويعرف الشؤم اصطلاحاً بأنه: توقع قدوم الشر أو المكروه، ويكون التشاؤم بسبب مُلكٍ أو شيءٍ محددٍ.

كان العرب قديماً يتشائمون بأنواع معينة من الطيور فأطلق على التشاؤم تطَيُّراً. وقد نهى النبي ﷺ عن التطير؛ لأن فيه شركاً بالله تعالى، فالنفع والضر والخير والشر من علامات مشيئة الله تعالى وحده، فإذا أراد الله تعالى أمراً قضاه وقدره بمشيئته.[١٢][١٣]

آثار الاعتقاد بالشؤم

يترتب على الاعتقاد بالشؤم والتشاؤم بالأشياء أضرار عديدة تؤثر بحياة الفرد ومجتمعه، ومنها:

  • الشعور بالغم والكآبة والتوتر وكثرة القلق، مما يؤدي إلى انعدام الثقة بالنفس وكثرة سوء الظن؛ لترقب الشر في كل وقت.
  • صعوبة التواصل بين الناس؛ مما يؤدي لانقطاع العلاقات الاجتماعية والتكافلية بينهم.
  • الشعور بالخوف من مواجهة المشقة والتعب والعناء في الحياة؛ فيؤثر ذلك على الإنسان بانعدام الحافز في سعيه لطلب الرزق أو مواجهة الأعداء، وبذلك مخالفة لأمره تعالى في الحث على العمل في قوله:
  • (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).[١٥]
  • يُسبب الإحباط في قلب الفرد؛ حيث يقوم بتوقع البلاء فقط، وهو من صور سوء الظن بالله تعالى، والأصل في هذه الحياة الدنيا التصديق بأن الأمر كله بيد الله تعالى والحرص على صدق التوكل على الله تعالى وحده.[١٦]

المصادر

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2858، صحيح.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2225، صحيح.
  3. “الموسوعة الحديثية”،www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2021. بتصرّف.
  4. ابن قيم الجوزية،مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، لبنان – بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 255-257، جزء 1. بتصرّف.
  5. ابن حجر العسقلاني (1379ه)،فتح الباري شرح صحيح البخاري، لبنان – بيروت: دار المعرفة، صفحة 61-63، جزء 6. بتصرّف.
  6. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 26088، إسناده صحيح على شرط مسلم.
  7. سعيد حوّى (1992م)،الأساس في السنة وفقهها – العقائد الإسلامية(الطبعة الثانية)، مصر – القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 1503، جزء 3. بتصرّف.
  8. محمد الزرقاني (2003م)،شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك(الطبعة الأولى)، مصر – القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية، صفحة 601-602، جزء 4. بتصرّف.
  9. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3924، حسن.
  10. زين الدين العراقي،طرح التثريب في شرح التقريب، صفحة 120-122، جزء 8. بتصرّف.
  11. القاضي ابن العربي (2007م)،المسالِك في شرح مُوَطَّأ مالك(الطبعة الأولى)، لبنان – بيروت: دَار الغَرب الإسلامي، صفحة 543-544، جزء 7. بتصرّف.
  12. مجموعة من المؤلفين،موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة، صفحة 136. بتصرّف.
  13. أبو سليمان الخطابي (1988م)،أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري)(الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية – مكة المكرمة: جامعة أم القرى (مركز البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي)، صفحة 1379، جزء 2. بتصرّف.
  14. شيخة العطية،الفأل والشؤم بين الأعراف والشريعة الإسلامية، صفحة 18. بتصرّف.
  15. سورة التوبة، آية: 105.
  16. مجموعة من المؤلفين،فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 3622، جزء 1. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

لمحة عن السينما المصرية: تاريخها وأبرز محطاتها

المقال التالي

الشاب الظريف (شاعر مترقق)

مقالات مشابهة