مدخل إلى سورة الروم
تعتبر سورة الروم من سور القرآن الكريم التي تحمل في طياتها العديد من الدلالات والمعاني العميقة. تتناول السورة قضايا تتعلق بالعقيدة، التاريخ، والمستقبل، وتقدم رؤية شاملة حول قدرة الله وعلمه. سنتناول في هذا المقال نظرة عامة على هذه السورة المباركة، بدءًا بمعلومات أساسية عنها، ووصولًا إلى أسباب نزولها والمحاور التي تتناولها.
معلومات أساسية حول السورة
سورة الروم هي إحدى السور المكية التي نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة إلى المدينة المنورة. وقد نزلت في فترة عصيبة على المسلمين، حيث كانوا يواجهون تحديات كبيرة من المشركين. تتسم السورة بأسلوبها البلاغي الرفيع، وتعبيراتها المؤثرة التي تخاطب العقل والقلب. تتضمن السورة إشارات إلى انتصار الروم على الفرس بعد هزيمتهم، وهو ما تحقق بالفعل بعد بضع سنوات، مما زاد من ثقة المسلمين بنصر الله وتأييده.
يذكر أن سورة الروم هي السورة رقم ثلاثين في ترتيب المصحف الشريف، وتتميز بتركيزها على مظاهر قدرة الله في الكون، ودعوة الناس إلى التفكر والتدبر في آياته. وتبرز السورة أهمية الإيمان بالله والعمل الصالح، وتحذر من عاقبة الكفر والظلم.
وقد روي عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهما وغيرهم أنها سورة مكية بأكملها. بينما نقل عن الحسن البصري أنها مكية باستثناء قوله تعالى: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) [الروم: 17].
عدد آيات سورة الروم
اختلف العلماء في تحديد عدد آيات سورة الروم. بعضهم يرى أنها تتكون من ستين آية، بينما يرى آخرون أنها تتكون من تسع وخمسين آية. يعود هذا الاختلاف إلى طرق العد المتبعة في تحديد نهاية الآيات. فما ثبت بالتواتر سماعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر رأس آية، وما لم يثبت اعتبر جزءًا من الآية السابقة.
مثال على الاختلاف:
- الكوفيون عدوا قوله تعالى: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ) [الروم: 1-2] آيتين منفصلتين، بينما عدها آخرون آية واحدة.
- البعض عد الآية في قوله تعالى: (فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) [الروم: 4] آية كاملة، والبعض عد (في بضع سنين) آية منفصلة.
- البعض عد الآية في قوله تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ) [الروم: 55] آية كاملة، واعتبر آخرون (يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ) آية منفصلة.
جوانب الإعجاز في السورة
يتميز القرآن الكريم بأنه معجز بلفظه ومعناه، وقد تحدى الله تعالى به الإنس والجن أن يأتوا بمثله فعجزوا. تتجلى جوانب الإعجاز في سورة الروم في الإخبار عن أحداث مستقبلية وقعت بالفعل، كما في قوله تعالى:
(الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) [الروم: 1-3].
وقد سميت السورة بسورة الروم لبدئها بالإخبار عن هزيمة الروم ثم انتصارهم بعد ذلك، وهو ما يعتبر دليلًا على صدق القرآن الكريم ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
المحاور الرئيسية لسورة الروم
تتناول سورة الروم عدة محاور رئيسية، منها:
- تأكيد ارتباط كل شيء بالله تعالى، وأن الله هو المدبر لكل الأمور في الماضي والحاضر والمستقبل. كما جاء في قوله تعالى: (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم: 4].
- توحيد الله تعالى وإظهار الأدلة على وحدانيته واستحقاقه للعبادة، وبيان عظمته وقدرته في خلق الكون. ومن ذلك قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) [الروم: 24-25].
- مواساة الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ودعوتهم إلى الصبر، وتحريم الربا، والحث على الأعمال الصالحة.
- ذكر إرسال الرسل إلى الأمم السابقة، وأخذ العبرة من مصيرهم، وبيان انتشار الفساد وإصرار الكافرين على كفرهم. قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47].
- ذكر البعث والحشر والنشور ويوم القيامة، وبيان حال الظالمين والمجرمين في ذلك اليوم.
- الحث على إعطاء كل ذي حق حقه من اليتامى والمساكين وذي القربى، وبيان أن الرزق بيد الله تعالى.
- إثبات أن القرآن الكريم من عند الله تعالى، وأن الإسلام هو الدين الحق، وأن الآخرة قادمة لا محالة. قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم: 30].
- الإخبار بهزيمة الروم، وتبشير المسلمين بانتصارهم على الفرس بعد بضع سنوات، والوعد بنصر الله للمسلمين ودين الإسلام.
- ذكر مظاهر الانتقال من الحياة الدنيا إلى الآخرة، واكتشاف الأسرار الكونية والحقائق الفطرية.
- إظهار حال النفس البشرية، خاصة المشركين، بنسيانهم لله في الرخاء وتذكرهم له في الشدة.
- بيان مصير المؤمنين في جنات الخلد ومصير الكافرين في نار جهنم.
- التأكيد على وجوب تبليغ رسالة الإسلام رغم الصعاب، لأن الله قد تكفل بحفظ دينه ونصرة عباده المؤمنين.
أسباب نزول سورة الروم
نزلت سورة الروم بسبب هزيمة الروم في منطقة قريبة من الشام على يد الفرس، وكانت هذه الهزيمة قد أثارت حزن المسلمين وفرح المشركين. وقد جاءت السورة ببشارة للمسلمين بانتصار الروم بعد بضع سنوات، وهو ما تحقق بالفعل.
واستدل بعض المفسرين بما أخرجه الإمام الترمذي -رحمه الله- عن أبي سعيد الخدري -رضيَ الله عنه- قال:
(لمَّا كان يومُ بدرٍ ظَهَرَتْ الرُّومُ على فَارِسَ، فَأَعْجَبَ ذلكَ المؤمنينَ فنزلَتْ: (الم * غُلِبَتْ الرُّومُ) إلى قولِهِ (يَفْرَحُ المؤمنُونَ) ،فَفَرِحَ المؤمنُونَ بِظُهورِ الرومِ على فَارِسَ).
إلا أن بعض المفسرين لم يعتمدوا هذا الحديث كسبب رئيسي لنزول السورة؛ لكونها سورة مكية نزلت قبل الهجرة، بينما وقعت غزوة بدر بعد الهجرة.
وذكر ابن عاشور أن من أسباب نزول سورة الروم فرحة المشركين بنصر المجوس من أهل فارس على الروم، فكانت الآيات بمثابة رد عليهم وتثبيت للمؤمنين.
المراجع
- جعفر شرف الدين (1420هـ)، الموسوعة القرآنية، خصائص السور (الطبعة الأولى)، لبنان – بيروت: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية.
- سعيد حوّى (1424هـ)، الأساس في التفسير (الطبعة السادسة)، مصر – القاهرة: دار السلام.
- أحمد حطيبة، تفسير الشيخ أحمد حطيبة.
- محمد المنتصر بالله الكتاني، تفسير القرآن الكريم.
- وهبة الزحيلي (1418ه)، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (الطبعة الثانية)، سوريا – دمشق: دار الفكر المعاصر.
- محمد طنطاوي (1998م)، التفسير الوسيط للقرآن الكريم (الطبعة الأولى)، مصر – القاهرة: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع.
- وهبة الزحيلي (1422هـ)، التفسير الوسيط (الطبعة الأولى)، سوريا – دمشق: دار الفكر.
- خالد بن سليمان المزيني (2006م)، المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية – الدمام: دار ابن الجوزي.
- رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 2935، حسن غريب من هذا الوجه.