نظرة عامة على حضارة دلمون

استكشاف حضارة دلمون القديمة: تاريخها، وأبرز معالمها، والتجارة والزراعة، وصيد الأسماك، وأهم المدن الدلمونية، وأسباب اندثارها.

مقدمة عن دلمون

تعتبر مملكة البحرين الحديثة امتداداً لإرث تاريخي عريق تجسده حضارة دلمون القديمة. هذه الحضارة مثلت حلقة وصل حيوية بين طرق التجارة القديمة التي ربطت الشرق بالغرب. تحتضن البحرين آثاراً تاريخية تعود إلى ما يقارب خمسة آلاف عام، تشمل قلعة البحرين الشهيرة، والمدافن التلالية الأثرية، والجداريات الفنية الرائعة. يحتفظ متحف البحرين الوطني بالعديد من القطع الأثرية التي تعود إلى حضارة دلمون، مما يتيح للزوار فرصة التعرف على هذه الحضارة العريقة.

الخلفية التاريخية لحضارة دلمون

ازدهرت حضارة دلمون في الفترة الممتدة بين عامي 2800 و 323 قبل الميلاد، وشملت جزر البحرين والمناطق الشرقية من شبه الجزيرة العربية. كان سكانها من الشعوب السامية التي استوطنت المنطقة الوسطى من شبه الجزيرة العربية. ذكر اسم دلمون في سجلات العديد من الحضارات القديمة، مثل الحضارة الآشورية والسومرية والبابلية والأكادية. وقد ازدهرت هذه الحضارة بفضل موقعها الجغرافي المتميز، وتوفر مصادر المياه المتنوعة، ووفرة الموارد الطبيعية الأخرى.

الجوانب الحضارية لدلمون

تميزت حضارة دلمون بالعديد من الجوانب الحضارية الهامة، والتي ساهمت في ازدهارها وترك بصمة واضحة في التاريخ.

التبادل التجاري والزراعة

تشير الأدلة الأثرية إلى وجود نشاط تجاري واسع النطاق في حضارة دلمون، بالإضافة إلى وفرة المياه العذبة التي ساعدت على تطوير الزراعة. مارس سكان دلمون نظام المقايضة في تلك الفترة، ولعبوا دور الوسيط التجاري بين بلاد الرافدين ووادي النيل. ازدهرت تجارة دلمون بشكل خاص بعد انهيار حضارة السند على يد الغزاة الآريين، ولكن توقف تدفق الموارد التجارية أدى إلى تراجعها، إلى أن استأنف الآريون العلاقات التجارية مع منطقة الخليج.

تميزت دلمون بعلاقاتها الوثيقة مع المراكز الحضارية الأخرى، مثل حضارة وادي الرافدين، وحضارة السند وبلاد فارس. تذكر النصوص المكتوبة في بلاد ما بين النهرين أن دلمون كانت من أهم الحضارات التي احتكرت تجارة النحاس في تلك الفترة.

الأنشطة البحرية: صيد الأسماك واللؤلؤ

كان سكان دلمون يستخرجون اللؤلؤ ويصطادون الأسماك من البحر، وكانت مياه البحر بمثابة حلقة الوصل التي تربط دلمون بالمراكز الحضارية الأخرى.

المدن الدلمونية الرئيسية

كشفت أعمال التنقيب في موقع قلعة البحرين من قبل البعثة الدنماركية عن أربع مدن دلمونية قديمة، تعود كل منها إلى فترة زمنية مختلفة من تاريخ الحضارة، وهي كالتالي:

  • المدينة الأولى: تحتوي على أقدم الآثار، وتتكون من مجموعة من المنازل المبنية على طول الساحل. تعرضت هذه المدينة للحرق والتدمير، حيث وجد الباحثون آثاراً مغطاة بالرماد الذي يحتوي على جزيئات الفحم. يعتقد أن التدمير الذي لحق بالمدينة الأولى مرتبط بالنصوص المسمارية المنسوبة إلى سرجون الأكادي. تم العثور على العديد من القطع الأثرية الأخرى، مثل الأواني الحجرية المصنوعة من حجر الكلوريت، والأواني الفخارية التي تحمل بعض النصوص المسمارية.
  • المدينة الثانية: لعبت هذه المدينة دوراً هاماً في النشاط التجاري، مما انعكس على عمارتها وبنيتها التحتية. عثر الباحثون على العديد من الآثار، مثل الأختام والأوزان الحجرية التي كانت تستخدم لتسهيل التبادل التجاري وضبط عملية المحاسبة. أهم الاكتشافات كانت ورش تصنيع الأختام الحجرية، مما يدل على المستوى الحضاري الرفيع الذي وصلت إليه دلمون خلال فترة المدينة الثانية.
  • المدينة الثالثة: كانت هذه المدينة تحت حكم وجهاء دلمون، وتميزت بحجمها الكبير. أثبت الباحثون أن دلمون كانت تصدر أجود أنواع التمور، حيث عثر على مخزن للتمور. كما عثر على العديد من الجرار الفخارية التي تشبه تلك التي استخدمها الكاشيون، الذين سيطروا على الجزء الجنوبي الشرقي من بلاد الرافدين، قادمين من منطقة جبال زاغروس. ظهرت دلائل عديدة على وجود الكاشيين في منطقة الخليج العربي، بما في ذلك معبد الآلهة عشتار، الذي يعد من أهم الأدلة على وجودهم في دلمون.
  • المدينة الرابعة: بنيت على أنقاض المدينة الثالثة، وتعتبر امتداداً لها. بنيت على شكل مبنى ضخم يشبه القصر، ويعتقد أنه قصر الملك أوبيري ملك دلمون. تميزت مباني هذه المدينة بتقسيمها إلى قسمين: الأول يشبه الوحدة الإدارية، والثاني له وظيفة دينية. التصميم العام للمدينة يشبه إلى حد كبير تصميم المباني في بلاد الرافدين.

أسباب أفول حضارة دلمون

مرت دلمون بالعديد من الأحداث التي أدت إلى تدخل الحضارات الأخرى في شؤونها، ومن أبرزها:

  • بعد ازدهار دلمون، بدأت أنظار الأكاديين والكلدانيين والآشوريين تتوجه نحوها، وتقدمت جيوش الملك سرجون الأكادي نحو دلمون بهدف ضمها إلى سلطة الأكاديين.
  • خضعت دلمون لسلطة الكلدانيين، وأصبحت تدفع الضرائب وتقدم الهدايا لهم.
  • أصبح الملك الآشوري توكولتي نينورتا ملكاً لدلمون، وتفاخر بأنه ملكها وملك ملوخا.

المراجع

  1. جاسم سلمان (6/6/2009)،”«دلمون» حضارة الترابط بين وادي الرافدين وبلاد السند”،www.alittihad.ae، اطّلع عليه بتاريخ 30/12/2017. بتصرّف.
  2. زهراء خليل الزين،مختصر تاريخ البحرين حتى مطلع القرن السادس عشر، صفحة 1. بتصرّف.
  3. د/عبدالعزيز علي صويلح (2009)،التسلسل الحضاري لمملكة البحرين(الطبعة الأولى)، بيروت-لبنان: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، صفحة 342-362. بتصرّف.
Total
0
Shares
المقال السابق

دراسة حول حوادث السير وأبعادها

المقال التالي

نظرة في واجبات تجاه الجيران

مقالات مشابهة

طرق معالجة النزاعات: دليل شامل

دليل إرشادي حول كيفية معالجة النزاعات والخلافات بفعالية. يشمل تحديد المشكلة، التواصل المباشر، الحفاظ على الخصوصية، البحث عن أرضية مشتركة، وتجنب إلقاء اللوم. تعرف على أنواع النزاعات المختلفة.
إقرأ المزيد