نظرة شاملة على كتاب كليلة ودمنة

اكتشف عالم كليلة ودمنة: ملخص، أسباب التأليف، الخلفية التاريخية، الانتشار، المعاني والدلالات، والأهداف النبيلة للكتاب.

مقدمة عن العمل

يعتبر هذا الكتاب من أروع إبداعات الأدب العربي الشرقي، فهو عمل أدبي كلاسيكي يركز على تقديم نصائح أخلاقية قيمة وصالحة لكل زمان ومكان. قام بتأليفه الفيلسوف الهندي بيدبا.

لمحة موجزة عن الكتاب

تمت كتابة الكتاب في الأصل باللغة السنسكريتية خلال القرن الرابع الميلادي، وأُطلق عليه اسم “كليلة ودمنة” نسبةً إلى ابنتي آوى اللتين تلعبان دور الشخصيتين الرئيسيتين في القصص. استفاد منه العاملون في القطاع العام لتحسين سلوكهم وتعلم القيم الأخلاقية الرفيعة. بفضل أسلوبه السردي الممتع، انتشر الكتاب بسرعة ووصل إلى العالم العربي، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من التراث الشعبي الإسلامي، ومن ثم انتقل إلى أوروبا، بما في ذلك إيطاليا وإسبانيا وغيرها.

الدافع وراء التأليف

يعود السبب في تأليف كليلة ودمنة إلى ملك كان لديه ثلاثة أبناء شبان. عندما رأى كيف أفسدهم الثراء وقلة الخبرة، أوكلهم إلى وزيره الحكيم، وطلب منه أن يزودهم بالمعرفة والدروس اللازمة. قام الوزير بتأليف هذه الحِكم على شكل قصص على لسان الحيوانات، بطريقة سهلة الفهم وممتعة ومثيرة للاهتمام. وبعد ستة أشهر، أصبح الأمراء الثلاثة قادرين على تحمل مسؤولية المملكة.

السياق التاريخي للكتاب

بعد حوالي مائتي عام من تلك الحادثة، أرسل شاه فارسي طبيبه بورزوي إلى الهند للبحث عن عشبة الخلود التي تمنحه الحياة الأبدية. عاد الطبيب دون العشبة، لكنه أحضر نسخة من الكتاب. أقنع الطبيب الشاه بأن هذا الكتاب سيمنح قارئه حكمة عظيمة تضاهي عظمة عشبة الخلود. أمر الشاه بترجمته إلى اللغة البهلوية لكي يتمكن من فهمه وقراءته. عندما استمتع الشاه بالأدب الموجود فيه، أحبه كثيرًا واحتفظ بنسخة منه في غرفته الخاصة. بعد حوالي ثلاثمائة عام، وبعد الفتح الإسلامي لبلاد فارس، وقعت نسخة من الكتاب في يد ابن المقفع، وهو فارسي أسلم في تلك الفترة وكان يفهم اللغة البهلوية الفارسية. قام بترجمة الكتاب إلى اللغة العربية، وكان أول من أدخل كتاب كليلة ودمنة إلى التراث العربي والإسلامي.

كيف انتشر الكتاب

مع مرور الوقت وتوالي الأحداث، فُقدت النسخة الأصلية الهندية التي كتبها الوزير بيدبا، وكذلك النسخة المترجمة إلى الفارسية الوسطى. مع مرور الوقت، نُسيت الترجمة السريانية ولم يبق سوى النسخة العربية التي ترجمها ونقحها عبد الله ابن المقفع، بل أصبحت المصدر الرئيسي لجميع الترجمات الأخرى باللغات اليونانية والعبرية والسلافية القديمة واللاتينية وغيرها. ترجمة ابن المقفع زادت من شهرة الكتاب فوصلت إلى الدولة العثمانية في القرن الرابع عشر، ومن الجدير بالذكر أن السلطان العثماني سليمان القانوني غير الاسم الأصلي لكليلة ودمنة وجعله (حميان نعمة) وقدمه لبقية السلاطين الذين أحبوه وأشادوا به. أثر الكتاب على العديد من المفكرين والكتاب والأدباء مثل لافونتين وإيسوب والأخوين جريم والرومي وأصبح مرجعًا للعديد من حكاياتهم.

عبد الله بن المقفع هو كاتب ومترجم متخصص في اللغتين العربية والفارسية، وله العديد من الأعمال الأخرى غير كليلة ودمنة. عُرف بمهارته في أسلوب السرد الشيق، ولعل ذلك من أبرز أسباب شهرة الكتاب وانتشاره.

المعاني والرموز في كليلة ودمنة

ركز العديد من الباحثين والنقاد على كتاب كليلة ودمنة، ساعين إلى فهم المعاني والرموز الموجودة فيه. فيما يلي نظرة شاملة على ذلك:

الأهداف التي يعالجها الكتاب

لا يقتصر الكتاب على الطريقة التي يجب أن يتصرف بها الحكام فحسب، بل والوزراء أيضًا وغيرهم من الشخصيات المرموقة والقيادية. فهو يصف مؤهلات المدير التنفيذي على سبيل المثال. لذلك، يُعتبر الكتاب مادة سياسية أخلاقية تزود الإداريين بالمعرفة الكاملة حول إدارة الدولة، بالإضافة إلى معلومات ضرورية عن النمط السليم للحياة اليومية العادية.

السلوك الأمثل لأصحاب المناصب

يؤكد الكتاب على العدالة باعتبارها الأولوية الأساسية والشرط الحتمي لأفضل نموذج حكومي ممكن. يقترح على الحاكم التفكير بذكاء والتصرف بناءً على ذلك، وبالتالي اختيار الأشخاص العقلانيين والأذكياء من حوله كالوزراء والمساعدين وغيرهم، ممن يتمتعون بالرحمة والشجاعة والقدرة على رعاية المصالح الوطنية وتقديمها على المصلحة الشخصية.

الرموز المستخدمة في الكتاب

في القصص والحكايات الواردة في كتاب كليلة ودمنة، يرمز كل حيوان إلى نوع معين من البشر. الأسد يرمز إلى الحاكم، بينما يرمز ابن آوى إلى الوزير. كليلة ودمنة، وكلاهما ابن آوى، يرمزان إلى الصدق والكذب (على التوالي). تحمل شخصيات الحيوانات صفات رمزية على الدوام. القرد شقي وقذر وغير مطيع، والحمار صافي الذهن ويعبر عن الأشخاص الماكرين والمخادعين، والضفدع يرمز للأشخاص المشاكسين، والغراب يرمز للشخصية غير المبالية، والغراب والفأر يرمزان للشخصية الخجولة.

لماذا استخدمت الرموز؟

حاول الفيلسوف الهندي بيديا، الذي كتب الحكايات في كليلة ودمنة، نقل قيمه والتعبير عنها من خلال الحكمة التي ألقيت على لسان وشخصيات الحيوانات، التي أصبحت أبطال القصص الخاضعة للانتقاد والنصح، بدءًا من الحاكم إلى الحاشية وحتى أفراد المجتمع، وذلك سعيًا للوصول إلى حلول فعالة لمشاكل منتشرة في المجتمعات مثل الرشوة والفساد وما شابه ذلك.

أمثلة من حكايات الكتاب

تعتبر حكايات كليلة ودمنة من أكثر القصص قراءةً وترجمةً عبر التاريخ، إذ وصلت إلى بلدان عديدة منها إثيوبيا والصين والتبت وبولندا وماليزيا وغيرها. فيما يلي بعض الأمثلة:

الحكاية الأولى: الثيران الأربعة والأسد

اعتاد الأسد التجول في أحد الحقول الواسعة، وعلى مقربة منه كان يسكن أربعة ثيران، ولم يكن قادرًا على الاقتراب منهم وافتراسهم، فقد كانوا كلّما اقترب منهم الأسد تحلّقوا في دائرة يكون فيها أذيالهم للدّاخل، وقرونهم للخارج بمواجهة الأسد، وظل الحال على ذلك إلى أن تشاجروا في يوم من الأيام، فانفصل كل منهم في زاوية، وكانت تلك فرصة الأسد لينقض عليهم واحدًا تلو الآخر.[5]

الحكاية الثانية: الأسد والفأر

في يوم من الأيام وبينما كان الأسد نائمًا، صعد فأر صغير على ظهره وبدأ يقفز ويلعب، وعندما استيقظ الأسد استشاط غضبًا وأمسك بالفأر وكاد أن يفترسه، ولكن الفأر الصغير طلب منه الرحمة وأن يخلي سبيله على أن يرد له الجميل في يومٍ ما، وبالفعل لم تمر سوى بضعة أيام حتى وقع الأسد بشباك أحد الصيادين، فأسرع الفأر لقضم الحبال حتى تمكن من تحرير الأسد، وأصبحا صديقين.[6]

الحكاية الثالثة: الثعلب والغراب

رأى الثعلب ذات صباح الغراب وهو يطير نحو عشه وفي فمه قطعة جبن كبيرة، فطمع بها ولحق بالغراب إلى منزله فوق الشجرة، وراح الثعلب يثني على جمال الغراب ولمعان ريشه وحجم منقاره، ثم قال له: (ما رأيك أن تسمعنا صوتك الجميل وتغني لنا قليلًا؟)، وما أن فتح الغراب فمه حتى سقطت قطعة الجبن في وأخذها الثعلب الماكر.[7]

الحكاية الرابعة: القرد والتمساح

طلب القرد من التمساح أن يحمله على ظهره ويوصله إلى الضفة الأخرى من النهر، فقبل التمساح، وما أن أصبحا في وسط النهر حتى أخبر التمساح القرد برغبته بأكله، لكن القرد قال للتمساح أنه ترك قلبه في بيته ولهذا فإنه لن يكون وجبة شهية للتمساح، وطلب منه إعادته ليحضر قلبه، وما أن وطأت قدما القرد اليابسة حتى أخبر التمساح بحيلته.[8]

الخاتمة

ألف الفيلسوف الهندي كتاب كليلة ودمنة الشهير بناءً على طلب الحاكم، وذلك من أجل تقويم أبنائه الأمراء ومنحهم الحكمة والرشاد. الكتاب عبارة عن مجموعة من الحكايات التي ترويها الحيوانات على ألسنة حيوانات أخرى، ويُستخلص منها الحكم والعِبر المتعلقة بالسياسة والأخلاق، وخاصة في إدارة الحكم وشؤونه. تُرجم الكتاب إلى لغات عديدة وانتشر في مختلف أنحاء العالم وأصبح أكثر الكتب قراءةً وترجمة. ترجم عبد الله بن المقفع الكتاب للعربية ومنها أُعيدت ترجمته للغات أوروبية بعد أن فُقدت النسخة الأصلية. وقد أُدرجت في المقال بعض الحكايات المشوقة منه كحكاية الفأر والأسد، وحكاية التمساح والقرد، وحكاية الغراب والثعلب، وحكاية الأسد والثيران الأربعة.

المراجع

[1] Elif Aktas /Adem Beldag,Kalila and Dimna as One of the Traditional Antecedents of Modern Classifications of Values, Page 1. Edited.

[2] “A Journey of a Book: Kalila wa-Dimna”,1001inventions, Retrieved 2/7/2021. Edited.

[3] “Ibn-al-Muqaffa”,britannica, Retrieved 2/7/2021. Edited.

[4] Anna Ettore,”Kalila and Dimna”,inkroci, Retrieved 2/7/2021. Edited.

[5] “The Four Oxen and the Lion”,world class learning, Retrieved 2/7/2021. Edited.

[6] “The Lion and the Mouse”,world class learning, Retrieved 2/7/2021. Edited.

[7] “The Fox & the Crow”,world class learning, Retrieved 2/7/2021. Edited.

[8] “Posts Tagged Kalila and Dimna”,stories, Retrieved 2/7/2021. Edited.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

دراسة في كتاب: تأسيس علم النحو وأعلامه

المقال التالي

نظرة في مسرحية مجنون ليلى لأحمد شوقي

مقالات مشابهة