فهرس المحتويات
دراسة في المقطع الأول
في بداية القصيدة، يستهل نزار قباني أبياته بمعايدة فريدة لحبيبته، معلنًا:
كل عامٍ وأنت حبيبتي..
أقولها لك،
عندما تدق الساعة منتصف الليل
وتغرق السنة الماضية في مياه أحزاني
كسفينةٍ مصنوعةٍ من الورق..
أقولها لك على طريقتي..
متجاوزاً كل الطقوس الاحتفالية
التي يمارسها العالم منذ 1975 سنة..
وكاسراً كل تقاليد الفرح الكاذب
التي يتمسك بها الناس منذ 1975 سنة..
ورافضاً..
كل العبارات الكلاسيكية..
التي يرددها الرجال على مسامع النساء
منذ 1975 سنة..
في هذا الجزء، يركز الشاعر على الزمن، ويجعله محورًا أساسيًا في علاقته بمحبوبته. يوضح أن حبهما يتجدد مع مرور الوقت، وأن هذه المعايدة تتجاوز كل الاحتفالات التقليدية التي بدأت عام 1975، مؤكدًا على صدقها وأصالتها. إنه يرفض الزيف والسطحية، ويقدم معايدة نابعة من القلب.
استكشاف المقطع الثاني
يواصل الشاعر معايدته، مؤكدًا على بساطتها وعمقها:
كل عامٍ وأنت حبيبتي..
أقولها لك بكل بساطة..
كما يقرأ طفلٌ صلاته قبل النوم
وكما يقف عصفورٌ على سنبلة قمح..
فتزداد الأزاهير المشغولة على ثوبك الأبيض..
زهرةً..
وتزداد المراكب المنتظرة في مياه عينيك..
مركباً..
أقولها لك بحرارةٍ ونزق
كما يضرب الراقص الإسباني قدمه بالأرض
فتتشكل ألوف الدوائر
حول محيط الكرة الأرضية
في هذا المقطع، يشدد الشاعر على أن الحب بينهما قائم على العفوية والبعد عن التكلف. يشبه معايدته بصلاة طفل أو بوقوف عصفور على سنبلة، مستخدمًا عناصر طبيعية ترمز إلى الخصوبة والحياة المتجددة، تمامًا كالعلاقة بينهما. هذه الصور الشعرية تعكس جمال البساطة وأثرها العميق.
تأملات في المقطع الثالث
في هذا الجزء، يرفض الشاعر المعايدات الجاهزة، ويؤكد على تفرد علاقته بمحبوبته:
كل عامٍ وأنت حبيبتي..
هذه هي الكلمات الأربع..
التي سألفها بشريطٍ من القصب
وأرسلها إليك ليلة رأس السنه.
كل البطاقات التي يبيعونها في المكتبات
لا تقول ما أريده..
وكل الرسوم التي عليها..
من شموعٍ.. وأجراسٍ.. وأشجارٍ.. وكرات
ثلج..وأطفالٍ.. وملائكة..
لا تناسبني..
إنني لا أرتاح للبطاقات الجاهزه..
ولا للقصائد الجاهزه..
ولا للتمنيات التي برسم التصدير
فهي كلها مطبوعة في باريس، أو لندن،
أو أمستردام..
ومكتوبةٌ بالفرنسية، أو الإنكليزية..
لتصلح لكل المناسبات
وأنت لست امرأة المناسبات..
بل أنت المرأة التي أحبها..
أنت هذا الوجع اليومي..
الذي لا يقال ببطاقات المعايدة..
ولا يقال بالحروف اللاتينية…
ولا يقال بالمراسلة..
وإنما يقال عندما تدق الساعة منتصف الليل..
وتدخلين كالسمكة إلى مياهي الدافئة..
وتستحمين هناك..
ويسافر فمي في غابات شعرك الغجري
ويستوطن هناك..
يصر الشاعر على أن معايدته يجب أن تكون صادقة ومن القلب، ويرفض المظاهر السطحية والبطاقات الجاهزة. يعيد هنا التأكيد على فكرة الخصوبة والاتحاد بينهما، مستخدمًا صورة السمكة والماء للتعبير عن الترابط الوثيق بينهما.
تحليل متعمق للمقطعين الرابع والخامس
يتحول الشاعر إلى أسلوب التعليل، موضحًا أثر الحب في حياته:
لأنني أحبك..
تدخل السنة الجديدة علينا..
دخول الملوك..
ولأنني أحبك..
أحمل تصريحاً خاصاً من الله..
بالتجول بين ملايين النجوم..
لن نشتري هذا العيد شجرة
ستكونين أنت الشجرة
وسأعلق عليك..
أمنياتي.. وصلواتي..
وقناديل دموعي..
الحب هنا يمنحه القوة والقدرة على تجاوز الحدود، حتى أنه يشعر وكأنه يملك تصريحًا إلهيًا للتجول بين النجوم. ثم يؤكد على أن محبوبته هي كل ما يحتاجه، فهي الشجرة التي يعلق عليها أمانيه وأحلامه، مما يدل على الارتباط العميق بينهما.
نظرة فاحصة على المقطعين السادس والسابع
يعود الشاعر إلى المعايدة، معبرًا عن خوفه من فقدان هذا الحب:
كل عامٍ وأنت حبيبتي..
أمنيةٌ أخاف أن أتمناها
حتى لا أتهم بالطمع
أوبالغرور
فكرةٌ أخاف أن أفكر بها..
حتى لا يسرقها الناس مني..
ويزعموا أنهم أول من اخترع الشعر..
كل عامٍ وأنت حبيبتي..
كل عامٍ وأنت حبيبك..
أنا أعرف أنني أتمنى أكثر مما ينبغي..
وأحلم أكثر من الحد المسموح به..
ولكن..
من له الحق أن يحاسبني على أحلامي؟
من يحاسب الفقراء؟..
إذا حلموا أنهم جلسوا على العرش
لمدة خمس دقائق؟
من يحاسب الصحراء إذا توحمت على جدول ماء؟
هناك ثلاث حالاتٍ يصبح فيها الحلم شرعياً:
حالة الجنون..
وحالة الشعر..
وحالة التعرف على امرأة مدهشةٍ مثلك..
وأنا أعاني – لحسن الحظ
من الحالات الثلاث..
يعبر الشاعر عن خوفه من أن تسرق أحلامه، ويبرر حقه في الحلم والمبالغة، خاصة وأنه يجمع بين الجنون والشعر والحب. هذه العناصر الثلاثة تجعل أحلامه شرعية ومبررة.
إضاءات على المقطعين الثامن والتاسع
يدعو الشاعر حبيبته إلى الانفصال عن العالم الخارجي والتوحد معه:
اتركي عشيرتك..
واتبعيني إلى مغائري الداخلية
اتركي قبعة الورق..
وموسيقى الجيرك..
والملابس التنكرية..
واجلسي معي تحت شجر البرق..
وعباءة الشعر الزرقاء..
سأغطيك بمعطفي من مطر بيروت
وسأسقيك نبيذاً أحمر..
من أقبية الرهبان..
وسأصنع لك طبقاً إسبانياً..
من قواقع البحر..
اتبعيني – يا سيدتي إلى شوارع الحلم الخلفية..
فلسوف أطلعك على قصائد لم أقرأها لأحد..
وأفتح لك حقائب دموعي..
التي لم أفتحها لأحد..
ولسوف أحبك..
كما لا أحبك أحد..
عندما تدق الساعة الثانية عشرة
وتفقد الكرة الأرضية توازنها
ويبدأ الراقصون يفكرون بأقدامهم..
سأنسحب إلى داخل نفسي..
وأسحبك معي..
فأنت امرأةٌ لا ترتبط بالفرح العام
ولا بالزمن العام..
ولا بهذا السيرك الكبير الذي يمر أمامنا..
ولا بتلك الطبول الوثنية التي تقرع حولنا..
ولا بأقنعة الورق التي لا يبقى منها في آخر الليل
سوى رجالٍ من ورق..
ونساءٍ من ورق..
يدعوها لترك العالم الزائف والانغماس في حبهما الصادق، مؤكدًا على أن حبه لها يتجاوز كل مظاهر الفرح المؤقت. إنه حب دائم وجاد، لا يرتبط بزمن أو مناسبة معينة.