فهرس المحتويات
مقدمة في علم العلامات عند بيرس
يُعتبر علم العلامات (السيميائية) أحد الفروع الهامة في الدراسات النقدية التي تهتم بتحليل الفنون والأدب. برز هذا العلم بشكل ملحوظ في حقبة ما بعد الحداثة كرد فعل على المناهج الحداثية، وبالأخص المنهج البنيوي الذي اعتمد على التحليل الداخلي للنصوص وإقصاء كل ما هو خارجي. جاءت السيميائية لتعيد الاعتبار للعناصر الخارجية المؤثرة في العلامة ودلالاتها.
أصل ونشأة علم العلامات
علم العلامات، المعروف أيضًا بالسيميولوجيا أو السيميوطيقا، يمثل حقلًا واسعًا من الدراسات التي تتناول الإشارات والرموز ودلالاتها في مختلف السياقات. من الصعب تقديم تعريف واحد وشامل لهذا العلم نظرًا لتنوع مجالاته وتطبيقاته. نجد على سبيل المثال سيميولوجيا سوسير التي تركز على الجوانب اللغوية، وسيميوطيقا بيرس التي تستند إلى المنطق والرياضيات والظاهراتية.
إضافة إلى ذلك، هناك سيمياء التواصل التي يمثلها بريتو ومونان وبويسنس، وسيمياء الدلالة التي يتبناها بارت ولاكان، وسيمياء الثقافة التي نادى بها يوري لوتمان وأمبرتو إيكو. يتضح من ذلك أن علم العلامات يتفرع إلى تخصصات فرعية متعددة، تتناول موضوعات بحثية وأنساق دلالية متنوعة مثل سيمياء الصورة، وسيمياء السرد، وسيمياء الأهواء، وسيمياء الانتماء.
انتشر مصطلح “السيميولوجيا” في بداية القرن العشرين بفضل محاضرات العالم اللغوي السويسري فرديناند دو سوسير، التي نُشرت بعد وفاته. يركز هذا المصطلح على دراسة حياة العلامة داخل الأنظمة الاجتماعية. في المقابل، ارتبط مصطلح “السيميوطيقا” بالفيلسوف الأمريكي شارل ساندرز بيرس، الذي يتميز منهجه بالصبغة المنطقية والفلسفية.
نظرة في سيميوطيقا بيرس
ترتكز السيمياء عند الفيلسوف الأمريكي شارل ساندرز بيرس على أسس منطقية وظاهراتية ورياضية، وتهدف إلى دراسة العلامة وما تحمله من دلالات. يعرف هذا المسعى بـ “السيموزيس” (Semiosis)، أي عملية توليد المعنى والدلالة اللانهائية. وتتضمن هذه العملية ثلاثة عناصر أساسية: الممثل (Representamen)، والموضوع (Object)، والمؤول (Interpretant)، وهي الأقسام التي صنفها بيرس للعلامة.
مفهوم العلامة في سيميوطيقا بيرس
يعرف بيرس العلامة بأنها “شيء يمثل شيئًا آخر لشخص ما بطريقة ما”. بمعنى آخر، العلامة تخلق في ذهن الشخص علامة مماثلة أو أكثر تطورًا. تصنف العلامات وفقًا لتصنيفات وضعها بيرس لتمثيل الشكل الدلالي الناتج عن خصائص الشيء، وذلك ضمن عملية دلالية ذات أبعاد فكرية متعددة الجوانب.
تطور العلامة: مراحل أساسية
تتطور العلامة عند بيرس وفقًا للمراحل التالية، مع الأخذ في الاعتبار طبيعتها الدلالية:
- المصورة (Representamen): تمثل الحامل المادي للعلامة، وهي تقابل الدال عند سوسير والرمز عند أوجدين وريتشاردز.
- المفسرة (Interpretant): تقابل المدلول عند سوسير والفكرة عند أوجدين وريتشاردز. يعتبرها بيرس العلامة الجديدة الناتجة عن الأثر الذي يتركه موضوع العلامة في ذهن المفسر أو المتلقي.
-
الموضوع (Object): يقابل المشار إليه في تعريف أوجدين وريتشاردز. يرى بيرس أن الموضوع جزء من العلامة وليس شيئًا مستقلاً في العالم الخارجي. يقسم الموضوع إلى نوعين:
- الموضوع الديناميكي: الشيء الذي تحيل إليه العلامة وتحاول تمثيله.
- الموضوع المباشر: جزء من العلامة وعنصر أساسي في تكوينها.
- الركيزة (Ground): وهي الفكرة التي تحيل إليها المصورة.
قوله تعالى: ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴾ [النجم: 3-4] هذه الآية الكريمة هي مثال على استخدام الرموز اللغوية (الكلمات) لتمثيل معانٍ أعمق تتجاوز ظاهر اللفظ. فالكلمات (الوحي) و (يوحى) تحمل دلالات دينية عميقة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى” هذا الحديث النبوي الشريف يوضح كيف أن النية (وهي حالة ذهنية غير مرئية) تمثل قيمة (علامة) تحدد قيمة العمل الظاهري. النية تصبح علامة دالة على جوهر العمل وقيمته.
المصادر والمراجع
- بسام قطوس، دليل النظرية النقدية، صفحة 161. بتصرّف.
- جميل حميداني، السيميولوجيا بين النظرية والتطبيق، صفحة 15. بتصرّف.
- سيزا قاسم ، نصر حامد أبو زيد، أنظمة العلامات في اللغة والأدب والثقافة مدخل إلى السيميوطيقا، صفحة 26. بتصرّف.
- سيزا قاسم ، نصر حامد أبو زيد، أنظمة العلامات في اللغة والأدب والثقافة مدخل إلى السيميوطيقا، صفحة 26 27 28. بتصرّف.