نظرات في البلاغة القرآنية لسورة الإخلاص

استكشاف للجوانب البلاغية في سورة الإخلاص: افتتاح السورة، دلالة اسم الله الصمد، نفي النظير والمثيل، التأكيد على الوحدانية، خصائص الذات الإلهية، دلالة الفعل المبني للمجهول، والفاصلة القرآنية.

مقدمة

تعتبر سورة الإخلاص من أقصر سور القرآن الكريم، لكنها تحمل في طياتها معاني عظيمة وأوصافًا جليلة لله سبحانه وتعالى. على الرغم من قلة كلماتها وقصر آياتها، إلا أنها تقدم لنا تعريفًا موجزًا وشاملاً للتوحيد الخالص. سنستعرض في هذا المقال بعض الجوانب البلاغية في هذه السورة المباركة.

استهلال السورة الكريمة

تبدأ السورة بفعل الأمر “قل”، وهذا الفعل يحمل دلالة عظيمة، فهو يوحي بأهمية الأمر الذي سيتبعه، وأنَّ ما سيأتي بعده هو أمرٌ يجب تبليغه والاعتقاد به. ثم يتبع الفعل ضمير الشأن “هو”، وهذا الضمير يفيد الاختصاص، أي أنَّ الله هو المتفرد بهذا الوصف، وهو الوحدانية المطلقة التي لا تليق بأحد سواه. وهذا تمهيد قوي لما سيأتي من معاني التوحيد.

معنى اسم الله الصمد

يصف الله نفسه في هذه السورة بقوله: “الله الصمد”. والصمد هو الذي يُقصد في كل الحوائج، وهو الذي يلجأ إليه الناس في كل الظروف. هذا الوصف ملازمٌ لله تعالى، وهو يدل على كمال غناه وافتقار الخلق إليه. أليس من الجدير بنا أن نتوجه إليه وحده بالدعاء والرجاء، وهو الذي يملك مقادير كل شيء؟!

فكيف لا يحتاج إليه الخلق وهو خالقهم ورازقهم ومدبر أمرهم، وهذا الوصف يدل على كمال غناه وافتقار جميع المخلوقات إليه، ويدل على عظيم قدرته.

نفي الشبيه والمثيل

ينفي الله عن نفسه النظير والمثيل، فهو لم يلد ولم يولد، وذلك لعدم وجود مجانس له. فكما أنه منفرد بالوحدانية، فهو أيضًا منفرد بالألوهية والربوبية المطلقة. وقد استخدمت السورة لفظ “لم” للدلالة على النفي القاطع والجازم لهذا المعنى الثابت. وهذا تأكيد على أن الله ليس كمثله شيء.

قال تعالى: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾.

التأكيد على الوحدانية

يؤكد الله سبحانه وتعالى المعاني السابقة بألفاظ أخرى مغايرة، فيأتي بنفي المكافئ والمثيل مرة أخرى بلفظ “لم” والفعل المضارع “يكن” الذي يدل على الثبوت والاستمرار. كما يأتي بلفظ “أحد” لنفي أي جنس من المخلوقات أن يكون له مكافئ أو نظير أو مثيل. وهذا تأكيد إضافي على تفرد الله ووحدانيته.

قال تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾.

وهذا يدل على أنه لا يوجد أحد يضاهي الله في صفاته أو أفعاله، وهذا ما يميزه عن كل ما سواه.

صفات الذات الإلهية

تبدأ الآيات وتنتهي بأوصاف لا تليق إلا بالذات العلية سبحانه وتعالى، ولا تستقيم مع غيره، مثل الوحدانية والصمدية والفردانية المطلقة. وهذا يتمثل في كونه مستغنيًا عن الخلق والولد والزوجة، ومتفردًا بالإرادة والمشيئة. وهذه الأوصاف تدل على كمال الله وجلاله.

وكونه مستغني عن الخلق يدل على عظمته، فلا يحتاج إلى أحد، بل الكل محتاج إليه.

الفعل المبني للمجهول ودلالته

ورد الفعل المبني لما لم يُسمَّ فاعله “يولد” للدلالة على نفي الوالد عن الله. فالفعل المبني للمجهول يأتي لعدة دلالات، أبرزها: شهرة المسمَّى وعدم الحاجة لذكره، فهو معلوم لكل عاقل. وهذا الأسلوب البلاغي يزيد من قوة المعنى وتأثيره.

والإتيان بالفعل بصيغة المبني للمجهول يدل على أن الفاعل معلوم لدى الجميع ولا حاجة لذكره.

الفاصلة القرآنية في السورة

تتميز الفاصلة القرآنية بالتناسب، فكل آية خُتمت بحرف الدال، وذلك لاستقامة الدلالة الصوتية المتقاربة، ولكي تدرك العقول روعة النسيج العذب الذي نزل من حكيم عليم. هذا التناسق الصوتي يعزز من جمال السورة وتأثيرها في النفس.

وهذا التناسق يعطي جرسا موسيقيا مميزا، ويزيد من جمال السورة.

المراجع

  • جلال الدين المحلي/ جلال الدين السيوطي، تفسير الجلالين، صفحة 604. بتصرّف.
  • عبد الرحمن السعدي، تيسر العزيز الرحمن، صفحة 1698.
  • ابن كثير (6/6/2016)،”تفسير سورة الإخلاص لابن كثير”، آيات.
  • عبد القادر فطنة (25/3/2014)، “جمال الفاصلة القرآنية”، عود الند، العدد 94، المجلد 120، صفحة 4.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

فحص معدل ترسب الدم: نظرة شاملة

المقال التالي

دراسة لغوية في سورة الكوثر

مقالات مشابهة