جدول المحتويات
مفهوم الإعجاز القرآني
الإعجاز في اللغة مشتق من العجز، وهو الضعف وعدم القدرة. أما في الاصطلاح، فالإعجاز القرآني يشير إلى الصفة الفريدة التي يتميز بها القرآن الكريم، والتي تتجلى في فصاحته وبلاغته، بحيث يعجز جميع البشر عن محاكاة كلماته أو الإتيان بمثله. فالقرآن الكريم هو كلام الله المعجز، وهو دليل قاطع على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
عندما نزل القرآن الكريم على العرب، وهم أهل الفصاحة والبيان، تحدّاهم الله تعالى أن يأتوا بمثله. وقد مر هذا التحدي بعدة مراحل:
- التحدي بالقرآن كاملاً: حيث دعاهم الله تعالى إلى الإتيان بمثل هذا القرآن، قال تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾.
- التحدي بالإتيان بعشر سور مثله: حيث طلب منهم أن يأتوا بعشر سور من مثله، قال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
- التحدي بالإتيان بسورة واحدة مثله: حيث طلب منهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثله، قال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
ورغم كل هذه التحديات، عجز العرب وغيرهم عن الإتيان بمثل القرآن الكريم، وهذا دليل قاطع على إعجازه.
أقسام الإعجاز القرآني
القرآن الكريم معجز من نواحٍ عديدة، ويمكن تقسيم الإعجاز القرآني إلى عدة أقسام، منها:
الإعجاز البلاغي أو اللغوي
يتمثل الإعجاز البلاغي في فصاحة القرآن الكريم وبلاغته، وجمال أسلوبه، وقوة بيانه، وتناسق كلماته، وترابط آياته. فالقرآن الكريم يتميز بأسلوب فريد لا يشبه كلام البشر، وقد عجز البلغاء والأدباء عن الإتيان بمثله.
من الأمثلة على الإعجاز البلاغي في القرآن الكريم، الفرق بين كلمتي “الرؤيا” و”الأحلام”، فالرؤيا هي ما يراه النائم من أمور واضحة ومبشرة، أما الأحلام فهي ما يراه النائم من أمور مشوشة وغير واضحة، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الفرق، قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ* قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ﴾.
شهادة الوليد بن المغيرة، وهو من أشد معارضي النبي صلى الله عليه وسلم، دليل قاطع على بلاغة القرآن الكريم، حيث قال: “فو الله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني، ولا برجزه، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، والله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يُعلى عليه”.
الإعجاز في التشريع
يتجلى الإعجاز التشريعي في الأحكام والقوانين التي جاء بها القرآن الكريم، والتي تنظم حياة الإنسان في جميع جوانبها، سواء كانت دينية أو اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية. فالقرآن الكريم يقدم نظامًا شاملاً وكاملاً لا نقص فيه ولا خلل، ويراعي مصالح الفرد والمجتمع.
من الأمثلة على الإعجاز التشريعي في القرآن الكريم، تشريع الزواج لتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة، وحماية النسل، واستمرار الحياة، قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾. فالقرآن الكريم يحدد حقوق وواجبات كل من الزوجين، وينظم العلاقة بينهما بما يحقق السعادة والاستقرار للأسرة.
الإعجاز في المجال العلمي
يتمثل الإعجاز العلمي في الإشارات العلمية الدقيقة التي وردت في القرآن الكريم، والتي لم تكن معروفة في زمن نزول القرآن، ثم أثبتها العلم الحديث. هذه الإشارات تدل على أن القرآن الكريم هو كلام الله، وليس من كلام البشر.
من الأمثلة على الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، قوله تعالى: ﴿وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾. هذه الآية تشير إلى قانون الجاذبية الذي يمسك بالأجرام السماوية ويمنعها من السقوط على الأرض، وقد أثبت العلم الحديث هذا القانون.
الإعجاز المتعلق بالغيب
يظهر الإعجاز الغيبي في الأخبار التي أخبر بها القرآن الكريم عن أمور غيبية، سواء كانت متعلقة بالماضي أو الحاضر أو المستقبل. هذه الأخبار تحققت كما أخبر بها القرآن الكريم، وهذا دليل على صدق القرآن الكريم.
من الأمثلة على الإعجاز الغيبي في القرآن الكريم، ما جاء في سورة المسد عن مصير أبي لهب وزوجته، حيث أخبر القرآن الكريم بأنهما سيموتان على الكفر، وقد تحقق ذلك بالفعل.