نساء خالدات في تاريخنا

نظرة على سيدات نساء الأرض: خديجة بنت خويلد، فاطمة بنت محمد، مريم بنت عمران، وآسيا زوجة فرعون. نماذج للتقوى والإيمان والتضحية.

مقدمة

إنّ الله سبحانه وتعالى جعل التقوى معيارًا للتفاضل بين الناس، ومقياسًا لتقديرهم عنده. فكما جاء في قوله تعالى:
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، فكل من اتقى الله وأحسن عمله نال مكانة عالية عنده. وعندما نتحدث عن الفضل والعطاء الجزيل، لا بد أن نذكر النساء اللاتي سطرن أسماءهن بأحرف من نور في تاريخ الإسلام. وقد ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وصف أفضل نساء أهل الجنة:
أفضلُ نساءِ أهلِ الجنةِ خديجةُ بنتُ خويلدٍ، وفاطمةُ بنتُ محمدٍ، ومريمُ بنتُ عمرانَ، وآسيةُ بنتُ مزاحمٍ امرأةُ فرعونَ.
لقد قدّمت كل واحدة من هؤلاء السيدات تضحيات جسامًا، وقمن بأعمال عظيمة في سبيل دينهن ودعوتهن، حتى حزن على هذه المنزلة الرفيعة عند الله تعالى، فإنهن لم يُبشرن بالجنة فحسب، بل رُفعن إلى حد الأفضلية المطلقة في الجنة. سنتناول في السطور القادمة نبذة عن حياة كل واحدة منهن.

خديجة بنت خويلد: أم المؤمنين

هي خديجة بنت خويلد بن أسد القرشية الأسدية، وأم المؤمنين وزوجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. كانت تتميز بالطهارة والعفة، وترفعت عن أفعال الجاهلية. تزوجت من الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكانت خير زوجة له، وأول من آمن برسالته وصدّقه، وثبّته وشدّت من أزره في بداية الدعوة، عندما عاد خائفًا يوم نزول الوحي عليه. استمرت فضائلها بتثبيته وتأييده حين كذبه قومه واستهزأوا به. صبرت مع زوجها حين حوصر مع من آمن معه في الشِعب، وكانت صابرة محتسبة، وتوفيت في السنة التي انتهى فيها الحصار، فحزن عليها النبي حزنًا شديدًا، حيث كان يحبها ويلجأ إليها في كل مصيبة. حتى قالت فيها عائشة -رضي الله عنها-: ما غِرت على أحدٍ من نساء النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ما غِرت على خديجة وما رأيتها، ولكن كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يُكثر ذكرها.

ولعظيم فضلها، أوصل جبريل -عليه السلام- لها سلامًا، فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: فإذا هي أَتَتْكَ فاقَرِأْ عليها السلامَ مِن ربِّها ومنِّي، وبِشِّرْهَا ببيتٍ في الجنةِ مِن قَصَبٍ لا صَخَبٌ فيه ولا نصبٌ. وقيل: إنها بُشّرت ببيت من قصب، والقصب هو اللؤلؤ المجوّف، لأنها حازت السبق إلى الإيمان، وليس فيه نصب ولا صخب، لأنها لم ترفع صوتها على النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا، ولم تتعبه أو تؤذه أبدًا.

فاطمة بنت محمد: سيدة نساء أهل الجنة

هي ابنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكنيتها أم أبيها، كانت المعينة لأبيها منذ صغرها، تدافع عنه أمام المشركين وهي في الخامسة أو السادسة من عمرها. في اليوم الذي ألقى المشركون على ظهر أبيها أمعاء جزور، أقبلت وقد تركت اللعب مع صويحباتها لترافق والدها، وتلاحظ مجريات دعوته للناس. فلما أقبل نفر من المشركين يضعون أمعاء الجزور على ظهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو ساجد في الكعبة، جاءت مسرعة تزيله بيديها وهي تدافع دموعها إشفاقًا على أبيها. شهدت وفاة والدتها وزواج أختها زينب، فأدركت أنها ستكون المؤنس لوالدها والمعين له في بيته، فأدت ما عليها حبًا وبرًا به.

تزوجت علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وكان فقيرًا، حتى أن مهرها كان درعًا قد غنمه علي بعد غزوة بدر فقط، فرضيت به وأنجبت لعلي الحسن والحسين وربّتهما، فكانا سيّدا شباب أهل الجنة، فنالت بتربيتها وجهدها على ذلك أعظم الأجر. لم تكن فاطمة متفرغة للعبادة والجهاد والتربية فقط، بل كانت تعمل في بيتها لعدم وجود خادم لها أو معين، فكانت هي من تخبز وتعجن وترتب شؤون زوجها.

مريم بنت عمران: مثال العفة والطهارة

هي مريم عليها السلام، أم عيسى نبي الله، وصفها الله تعالى بقوله: وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ. صبرت على الكثير من الابتلاءات، فقد نشأت يتيمة، وربّاها زكريا -عليه السلام- في المحراب والمسجد، بعد أن نذرتها أمها لذلك وهي حامل بها. ثمّ حصل معها أصعب محنة عندما جاءها جبريل -عليه السلام- مُخبرها بأنها ستكون حاملاً وستلد دون زوج، فكان أعظم ابتلاء تعرضت فيه؛ للتشكيك وسوء الظن من قومها، خاصةً أنها كانت بتولًا، اجتنبت الرجال أكثر من أي امرأة أخرى. ومع ذلك فإنها حين أخبرها جبريل -عليه السلام- بخبر حملها لم تسأل ربها دليلًا على حملها كما سأل زكريا. وعندما أنجبت مريم -عليها السلام- كانت وحيدة، بعيدة عن أهلها ومن يعينها في وضعها، ثم أخذت ابنها وواجهت به قومها، مؤتمرة بأمر الله تعالى، ولذلك كانت صديقة، مؤمنة، طائعة لله تعالى، فاستحقت التكريم في آخرتها.

آسيا زوجة فرعون: رمز الثبات على الحق

هي آسيا بنت مزاحم، زوجة فرعون عدو الله الذي ادعى الألوهية. قربها منه وملازمتها له وللنعيم الذي كانت فيه، والقصر الذي عاشت فيه لم يحجب عنها حقيقة التوحيد، فأعلنت توحيدها وتوجهت بالعبادة لله سبحانه، وأنكرت الضلال الذي عاش فيه زوجها. وسبب علو شأن آسيا في الأولين والآخرين أنها ضحت بالكثير من متاع الحياة الدنيا، فقد تنازلت عن أموالها وجواهرها، وتركت جواريها وخدمها، وترفعت عن شهوات الدنيا كلها، واستعدت للتعذيب النفسي والبدني من زوجها، حيث كان يعادي التوحيد ويعادي موسى -عليه السلام-. كان كل ذلك دليلًا على صدق توجهها لله تعالى، وصدق رغبتها في ما عنده، وتفضيله على سائر متاع الحياة. وقد صدّق الله -تعالى- كلامها، وذكره في القرآن الكريم بقوله: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. فاستحقت حينها الرفعة والجزاء في الآخرة.

المراجع

  • سورة الحجرات، آية: 13.
  • رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1135، صحيح.
  • فضائل أم المؤمنين خديجة
  • رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3820، صحيح.
  • من هي فاطمة الزهراء؟
  • سورة المائدة، آية: 75.
  • فضل مريم على نساء العالمين.
  • الحياة الدنيوية لمريم ابنة عمران وابنها عيسى عليه السلام.
  • سورة التحريم، آية: 11.
  • نماذج حسنة لم ينفعها القرب من السيئين.
Total
0
Shares
المقال السابق

الكتاب: الرفيق الأمثل في الحياة

المقال التالي

خيري بشارة: نظرة على مسيرته الفنية

مقالات مشابهة