نزول آية القرض الحسن: سياقها وتفسيرها وشروطها

بحث شامل في سبب نزول آية القرض الحسن، تفسيرها، وشروط قبولها عند الله تعالى، مع أمثلة من السنة النبوية.

فهم آية القرض الحسن: سياق النزول

تتناول هذه الآية الكريمة من سورة البقرة: (مَن ذا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)،[١] أمرًا عظيمًا وهو فضل الله الجزيل على من يتصدق ويتبرع بالمال في سبيله. وقد ورد في السنة النبوية الشريفة سبب نزول هذه الآية المباركة.

روى عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا قائلاً: (ربِّ زِدْ أمَّتي)، فنزلت آية (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، ثم دعا النبي مرة أخرى (ربِّ زِدْ أمَّتي) فنزلت آية (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً)، ثم قال (ربِّ زِدْ أمَّتي) فنزل قوله تعالى (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).[٢][٣] يظهر من هذا أن سبب نزول الآية هو دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بالزيادة في الثواب للذين ينفقون في سبيل الله.

وقد كان لنزول هذه الآية أثرٌ بالغٌ في نفوس الصحابة، إذ سارعت قلوبهم إلى التبرع والصدقة، سعيًا لِنيل هذا الأجر العظيم من الله.[٤] يُضرب مثال أبي الدحداح الذي سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كيفية إقراض الله، وقد تبرع بأرضه للصدقة، فقال النبي فيه: “كَم مِن عِذْق مُذَلَّل لابن الدَّحْداحَةِ في الجنة”، مبيناً فضل الله الجسيم على من يتصدق من قلبه بصدق ونية صادقة.[٤]

معنى وتفسير آية القرض الحسن

تُشير الآية إلى حكمة الله في تشجيع المؤمنين على الإنفاق في سبيله بطريقة بليغة وجذابة. استخدام لفظ “القرض” يُبرز فكرة أن الله -تعالى- سيردّ الأجر على المتصدق في الآخرة، كما أن الذي يُقرض مالاً يتوقّع ردّه، فكذلك الله يُضاعف أجر المتصدقين مضاعفات كثيرة.

وتوضح سورة البقرة في آية أخرى مقدار هذا الزيادة في الأجر، حيث يقول الله -تعالى-: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).[٥][٦] فالله -تعالى- يُضاعف أجر المتصدق بقدر ما يشاء، وإحسانه واسعٌ وعلمه بما يُخفى شامل.

شروط قبول القرض الحسن عند الله

ليُقبل القرض الحسن عند الله -تعالى- يجب أن تتوفر بعض الشروط الأساسية:

  • أن يكون المال من كسب حلال طيب.
  • أن تكون النية لله تعالى فقط، دون طلب مدح أو رياء.
  • أن لا يُرافق الإنفاق منٌّ على المحتاج أو إيذاء.
  • أن لا يُفضح المحتاج أو يُشهّر به، بل يُراعى السرية في ذلك قدر الإمكان.[٧]

المراجع

  1. سورة البقرة، آية:245
  2. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عمر،
  3. عبد الله حمد،الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
  4. موسوعة التفسير المأثور
  5. سورة البقرة، آية:261
  6. محمد بن عثيمين،لقاء الباب المفتوح
  7. مصطفى العدوي،سلسلة التفسير لمصطفى العدوي
Total
0
Shares
المقال السابق

نزول آية (محمد رسول الله والذين معه): سياقها ومدلولاتها

المقال التالي

نزول آية (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى): سياقها وتفسيرها ودروسها

مقالات مشابهة

أهمية الجودة والإحسان في العمل بمنظور إسلامي

مقالة تتناول أهمية إتقان العمل في الإسلام، مع التركيز على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على ذلك. تتضمن المقالة نصائح عملية لتحقيق الإتقان في العمل وأثره على الفرد والمجتمع.
إقرأ المزيد