جوهر الوفاء
يُعرّف الوفاء بأنه الالتزام بالعهود والوعود، وحفظ الأمانات، والوفاء بالحقوق، والإقرار بالجميل، وصون المودة والمحبة. وهو خلق نبيل قلّ من يتمتع به، كما جاء في قوله تعالى: (وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ ۖ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ)،[١]. الوفاء سمة من سمات الله عز وجل، كما جاء في قوله تعالى: (وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)،[٢].
الوفاء في تعاليم الإسلام
يُعدّ الوفاء ركيزة أساسية في الإسلام، فهو من صفات الرسل عليهم السلام، كما في قوله تعالى: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ*وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ)،[٣]. كما أنه من صفات المؤمنين المتقين، كما وصفهم الله تعالى بقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)،[٤]. أعظم صور الوفاء هي الوفاء لله تعالى، بعبادته وطاعته وتوحيده، واجتناب معاصيه. يشمل الوفاء أيضًا الوفاء بالنذر، والوفاء للرسول صلى الله عليه وسلم، والوفاء للوالدين، والوفاء بين الأزواج.
يقول الله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)،[٧] وقد فسّر الإمام القرطبي هذه الآية بأنها تشمل الأمة الإسلامية كلها، مؤكداً أن الوفاء من صفات أولي الألباب، كما في قوله تعالى: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ)،[٨]. يشمل الوفاء للدين اتباع أوامره وتعليماته، والثبات عليها، والبذل في سبيلها.
سيرة الرسول الكريم: قدوة في الوفاء
كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قدوة في الوفاء، امتثالاً لأوامر الله تعالى: (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،[١٠]. كان وفياً لربه عز وجل في عبادته وطاعته، وفي تبليغ رسالته. وكان وفياً لزوجاته، حافظًا لذكرى خديجة رضي الله عنها، معززًا لمكانتها. وكان وفياً لأصحابه، حتى مع من أساء إليه، كحاطب بن أبي بلتعة، فقد عفاه النبي صلى الله عليه وسلم وفاءً لأهل بدر.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفياً لأقاربه، مُقدّرًا لجميل عمه أبي طالب، ساعيًا لإدخاله في الإسلام، مستغفرًا له بعد وفاته. يُظهر هذا التفاني في الوفاء بأشكالها جميعها، مع الله ورسوله، ومع الأهل والأحباب، ومع الأعداء أيضًا.
وأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)،[١١] وهذا يُبرز أهمية الوفاء في التزام الرسول بأمانته في تبليغ الرسالة الإلهية.
الوفاء: ركن من أركان الإيمان
الوفاء ليس مجرد خلق حميد، بل هو ركن أساسي من أركان الإيمان القويم. فهو يعبّر عن صدق الإيمان، وقوة التزام المرء بقيمه ومبادئه. إن الوفاء بالعهود والوعود، وحفظ الأمانات، والوفاء بالحقوق من أهم مظاهر الإيمان الصادق. يُبرز الوفاء جمال الأخلاق الإسلامية، ويزيد من صلابة الروابط الاجتماعية، ويُرسّخ الثقة والمحبة بين الأفراد والجماعات.
يُؤكّد الوفاء على أهمية الالتزام بالكلمة والعهد، وعدم الخيانة والغدر، وهذا من أهم مظاهر الاستقامة والنزاهة. فهو سلوك إسلامي رفيع، يُكسب الفرد احترام الآخرين، ويُعزّز مكانته في المجتمع.
المراجع:
- سورة الأعراف، آية: 102.
- سورة الروم، آية: 6.
- سورة النجم، آية: 36-37.
- سورة المؤمنون، آية: 8.
- سورة النحل، آية: 43.
- سورة البقرة، آية: 40.
- سورة الرعد، آية: 20.
- سورة الأنعام، آية: 152.
- سورة النحل، آية: 44.