مقدمة عن أحمد باي
أحمد باي، واسمه الكامل أحمد باي الشريف بن محمد الشريف، كان شخصية بارزة في تاريخ الجزائر. يعتبر من أبرز حكام بايلك الشرق، وينحدر من عائلة عثمانية عريقة. جده هو أحمد القلي، الذي حكم بايلك الشرق لمدة ستة عشر عامًا. أما والدته، فهي جزائرية الأصل وتنتمي إلى عائلة ابن قانة المشهورة.
الطفولة والتكوين
ولد أحمد باي في مدينة قسنطينة عام 1786 ميلاديًا. نشأ يتيماً بعد وفاة والده، وتولت والدته تربيته ورعايته. حرصت والدته على حمايته من المكائد التي قد تهدد حياته، فاصطحبته إلى الصحراء، حيث ترعرع بين أخواله في منطقة الزيبان. هناك، تعلم اللغة العربية وقواعدها، وحفظ القرآن الكريم، مما جعله فصيح اللسان واسع المعرفة.
تميز أحمد باي بسعة الأفق والأخلاق الحميدة، وتعود على الكرم والجود. أتقن فنون القتال وركوب الخيل، وأصبح فارسًا شجاعًا ومقدامًا. كما كان له اهتمام بالشعر، وخاصة الشعر الديني، وبرز فيه بعد أدائه فريضة الحج في سن الثانية عشرة، حيث عُرف بلقب الحاج أحمد. قضى فترة في مصر، اكتسب خلالها المزيد من المعارف والخبرات، مما ساهم في صقل شخصيته القيادية.
المناصب والمسؤوليات
تقلد أحمد باي العديد من المناصب الهامة، منها قيادة قبائل العواسي التي كانت تسكن في عين البيضاء وما حولها. تم تعيينه في هذا المنصب نظرًا للثقة التي كان يتمتع بها في المجتمع، مما سمح له بالإشراف على الجزء الشرقي من إقليم قسنطينة، بالإضافة إلى قيادة ثلاثمئة فارس في السلك العسكري، وتعيين أربعة مساعدين مباشرين.
بعد فترة من تركه هذا المنصب، أعاده نعمان باي إلى قيادة قبائل العواسي، تقديرًا لخبرته الطويلة في هذا المجال. وخلال زيارته لمصر، التقى بحاكمها محمد علي، واطلع على إنجازاته، خاصة في المجال العسكري، كما تعرف على أبنائه إبراهيم وطوسون وعباس.
لاحقًا، تمت ترقية الحاج أحمد باي إلى منصب الخليفة في عهد الباي أحمد المملوك، واستمر في هذا المنصب حتى نشب خلاف كبير مع حاكم بايلك الشرق الجزائري، الباي إبراهيم، بين عامي 1820 و 1821، مما أدى إلى عزله. وخوفًا من التعرض للاغتيال، غادر قسنطينة متوجهًا إلى الجزائر، بعد أن اتهمه الباي إبراهيم بالتعاون مع الباي في تونس ضد الجزائر.
إلا أن الباي حسين علم ببطلان هذه التهمة، فأمر بقتل الباي إبراهيم عام 1821. وبوساطة من الآغا يحي، عُين أحمد باي بأمر من الداي حسين بايًا على منطقة بايلك الشرق عام 1826، لتشهد بذلك مدينة قسنطينة فترة من الاستقرار والازدهار في عهده. وسقطت المدينة عام 1837.
عمل أحمد باي على توحيد القبائل القوية والكبيرة في الإقليم الشرقي من خلال المصاهرة، فتزوج امرأتين، إحداهما ابنة باي التيطري بومزراق، والثانية ابنة الحاج عبد السلام المقراني.
على الرغم من إخلاصه للجزائر، لم يفكر أبدًا في الاستقلال عن الباب العالي. وبالرغم من العروض المغرية التي قدمتها له فرنسا، قاد معركة قسنطينة الأولى ومعركة قسنطينة الثانية في شهر أكتوبر عام 1837. وبعد سقوط قسنطينة، استمر في التنقل في الصحاري والوديان، محرضًا القبائل على مقاومة الاستعمار الفرنسي.
النهاية والرحيل
توفي الحاج أحمد باي نتيجة للحصار الذي فرضه عليه الفرنسيون أثناء وجوده في حصن بين جبال الأوراس وبسكرة. وبعد أن استحال عليه الصمود، استسلم وأُجبر على الإقامة الجبرية حتى وفاته عام 1851 في ظروف غامضة. يقع قبره اليوم في العاصمة الجزائرية في سيدي عبد الرحمن الثعالبي.