مقدمة عن ابن بطوطة
ابن بطوطة، واسمه الكامل محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن يوسف اللواتي الطنجي، رحالة ومؤرخ مسلم يعتبر من بين أشهر المستكشفين في التاريخ. لُقب بـ “أمير الرحالين” نظراً للفترة الزمنية الطويلة التي قضاها في السفر والترحال، والتي امتدت لما يقرب من ثلاثة عقود. تميز بشغفه للمعرفة والاستكشاف، وإصراره على تجاوز الصعاب من أجل جمع المعلومات والأخبار. كما عُرف باهتمامه بتوثيق الأحوال الاجتماعية والثقافية للبلدان التي زارها، بالإضافة إلى قدرته الفائقة على استيعاب الأحداث والأخبار.
ولد ابن بطوطة في مدينة طنجة بالمغرب عام 703 هـ، الموافق لسنة 1304م. نشأ في أسرة ذات نفوذ، حيث شغل أفرادها مناصب قضائية هامة. يعود نسبه إلى قبيلة لواتة البربرية التي استوطنت السواحل الأفريقية حتى مصر. اتجه في شبابه لدراسة العلوم الشرعية على المذهب المالكي، اقتداءً بأفراد أسرته الذين تفوقوا في هذا المجال. ومع ذلك، لم يستكمل دراسته بسبب رغبته القوية في السفر والترحال منذ صغره. كان الدافع الرئيسي لسفره هو أداء فريضة الحج، بالإضافة إلى شغفه الكبير باكتساب معارف جديدة وتجارب متنوعة.
بدأ ابن بطوطة أولى رحلاته في سن الحادية والعشرين. كانت وسيلة تنقله الأساسية هي الحمار. انطلق في رحلته نحو مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، بمفرده كما ذكر في كتابه. كان والده لا يزال على قيد الحياة عندما غادر المنزل، مدفوعاً برغبته في الاستكشاف. وصف خروجه من بيت أسرته بخروج الطيور من أعشاشها. وعلى الرغم من حزنه على فراق أحبائه، إلا أن حزن والده كان له الأثر الأكبر عليه في تلك اللحظة.
شملت رحلاته التي استمرت حوالي ثلاثين عاماً العالم الإسلامي بأكمله وما وراءه، من شمال أفريقيا وغربها، إلى جنوب أوروبا وشرقها، وشبه القارة الهندية، وجنوب شرق آسيا، وشرق الصين.
استكشاف رحلات ابن بطوطة
انطلقت رحلة ابن بطوطة في عام 725 هـ، الموافق 1326م، من مدينة طنجة. تجول في مختلف بلدان المغرب العربي، ثم توجه شرقاً وزار الجزائر، تونس، ليبيا، ومصر. مر بالإسكندرية، القاهرة، والصعيد، وصولاً إلى ميناء عيذاب على ساحل البحر الأحمر. عاد بعدها إلى القاهرة لمتابعة رحلته نحو مكة المكرمة عبر بلاد الشام. بعد أداء مناسك الحج، واصل مسيرته إلى العراق، إيران، وبلاد الأناضول. قرر بعدها العودة لأداء فريضة الحج مرة أخرى، فعاد إلى مكة عن طريق الحجاز ومكث فيها عامين.
في عام 730 هـ، الموافق 1329م، سافر ابن بطوطة إلى اليمن وبلاد الخليج العربي. انطلق من هناك إلى البحرين والأحساء. في كل بلد زاره، كان يصف عادات وتقاليد السكان ومأكولاتهم. زار أيضاً بلاد الروم، وبعد انتهاء جولته فيها عاد إلى مكة لأداء فريضة الحج للمرة الثالثة. ثم قصد سوريا عن طريق البحر الأحمر، ومر باللاذقية. بعدها ركب البحر متجهاً إلى آسيا الصغرى، فعبر ميناء آلايا وميناء سينوب على البحر الأسود، ووصل إلى شبه جزيرة القرم. استمر في تنقله ورحلاته حتى وصل إلى روسيا الشرقية، وزار القسطنطينية. عاد بعدها إلى القرم لينطلق منها إلى بخارى وبلاد الأفغان، ليستقر في النهاية في دلهي لمدة عامين، حيث عمل قاضياً على المذهب المالكي.
تابع ابن بطوطة رحلاته حتى وصل إلى الهند الشرقية وإندونيسيا، وزار الصين أيضاً. عاد إلى الجزيرة العربية عن طريق الهند وسومطرة في عام 748 هـ، الموافق 1347م. استمر بالتنقل وعاد إلى بلاد فارس، ثم إلى العراق وبلاد الشام ومصر، وأخيراً وصل إلى مكة لأداء فريضة الحج للمرة الرابعة. بعد ذلك قرر العودة إلى المغرب الأقصى عام 750 هـ، الموافق 1349م، ومكث فيها لمدة سنة كاملة. عاود الترحال بعدها ليقوم برحلته إلى غرناطة في الأندلس عام 751 هـ، الموافق 1350م. ثم عاد إلى مدينة فاس في المغرب، وجهز نفسه للقيام برحلة إلى أفريقيا الغربية عام 754 هـ، الموافق 1353م، وزار تمبكتو وهكار، ثم عاد إلى المغرب وبقي فيها إلى أن توفي رحمه الله.
أهمية ابن بطوطة في التاريخ
يُعتبر ابن بطوطة أحد أبرز رحالة الإسلام، حيث قُدرت المسافة التي قطعها في رحلاته بحوالي 75,000 ميل، أي ما يعادل 120,000 كيلومتر. زار جميع البلدان الإسلامية وعدداً من الأراضي غير الإسلامية المجاورة. حظيت رحلاته بأهمية تاريخية وجغرافية كبيرة، حيث التقى بما لا يقل عن 60 حاكماً، والعديد من الوزراء والشخصيات المرموقة والمهمة.
الكتاب الذي ألفه، المعروف بـ “رحلة ابن بطوطة” والمسمى بـ “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”، يُعتبر وثيقة هامة سجل فيها كل ما اكتسبه من رحلاته. يعتبر هذا الكتاب وثيقة ركزت على العديد من الجوانب التاريخية والثقافية والاجتماعية والسياسية للعالم الإسلامي. كما شكلت كتابات ابن بطوطة عن جزر المالديف، والهند، وشرق أفريقيا، وغربها، وآسيا الصغرى، مصدراً مهماً لتاريخ هذه البلدان.
في المقارنات التي أجراها الغربيون بين رحلات ابن بطوطة إلى العالم الإسلامي ورحلات ماركو بولو، وجدوا أن ابن بطوطة كان مثقفاً، وعالماً، واجتماعياً، ورجلاً من الطراز الرفيع، وكان ترحاله في إطار الثقافة الإسلامية المألوفة، حيث التقى بالكثيرين وتعلم منهم. بينما كان بولو تاجراً وغير متعلم، سافر إلى بلاد غريبة وغير مألوفة، واستفاد من سفره بتعلم طرق جديدة لارتداء الملابس والتحدث والتصرف أيضاً. إضافة إلى أن ابن بطوطة اهتم بالحديث عن نفسه وعن الناس الذين قابلهم والمراكز التي شغلها، أما ماركو بولو فركز على الحديث عن معلومات دقيقة عما لاحظه في أثناء سفره.
المصادر
- د. راغب السرجاني (2009-9-26)،”ابن بطوطة .. شيخ الرحالين“،www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-6-23. بتصرّف.
- “Ibn Battuta“,www.khanacademy.org, Retrieved 2018-6-23. Edited.
- “Ibn Battuta“,www.famousscientists.org, Retrieved 2018-6-23. Edited.
- “رحلة ابن بطوطة“،www.wdl.org، اطّلع عليه بتاريخ 10-07-2018. بتصرّف.
- Ivan Hrbek,”Ibn Baṭṭūṭah“،www.britannica.com, Retrieved 2018-6-23. Edited.