مقدمة
الزمن هو عنصر أساسي يلازم كل فرد فينا، يرافقنا كظلنا، لكن حقيقته غالبًا ما تكون غامضة. إنه أكثر تعقيدًا من مجرد التفكير فيه؛ لا يمكن تخزينه أو استثماره كالمال، ومع ذلك، فهو المورد الوحيد الذي يشترك فيه جميع البشر، بغض النظر عن أعراقهم، أو جنسياتهم، أو أعمارهم. كل شخص يمتلك 24 ساعة في اليوم، والحرية المطلقة في كيفية استخدام هذا الوقت المتاح. يمكن تضييعه في أنشطة غير ضرورية، أو يمكن استغلاله وتنظيمه لإنجاز مهام مفيدة، وهو ما يعرف بتنظيم الوقت.
الأهمية الجوهرية للزمن
تتجلى أهمية الوقت في كونه موردًا غير قابل للاسترجاع؛ فهو ينقضي بسرعة، وما مضى منه لا يعود. لذلك، من الضروري البحث عن أفضل الطرق لاستغلاله على أكمل وجه. يتحقق ذلك من خلال التخطيط الدقيق المصحوب بالهدوء والسكينة؛ فالشخص المتوتر يحتاج إلى وقت مضاعف لإنجاز المهام مقارنة بالشخص الهادئ والمنظم. الاستخدام الأمثل للوقت له تأثير كبير على حياة الفرد والمجتمع. يمكن للشخص المساهمة في حل مشكلة البطالة من خلال خدمة الآخرين والمشاركة في حل مشاكلهم، والتعاون مع الجمعيات الخيرية لتقديم المساعدة للمحتاجين، والتبرع بالمال أو الكلمة الطيبة. أيضًا، يمكن استغلال العطلات الصيفية لحضور الدورات التدريبية والمحاضرات والأنشطة الاجتماعية والثقافية، أو الاستماع إلى الدروس والمحاضرات المفيدة أثناء التنقل بدلًا من التفكير العشوائي.
نظرة القرآن الكريم للوقت
الزمن يحمل قيمة عظيمة في هذا الوجود؛ فبدونه، لا يمكن للإنسان إدراك تسلسل الأحداث. ولأهميته، نجد أن الله سبحانه وتعالى قد أخضع جميع مخلوقاته للزمن، بينما هو تعالى منزه عن جريانه عليه. يصف القرآن الكريم أهوال يوم القيامة بصيغة الماضي للدلالة على العلم المسبق بها، بينما هي بالنسبة للمخلوقات غيب مستقبلي. وعلى الرغم من تحديد الزمان والمكان، فإن الله حاضر مع جميع مخلوقاته باختلاف أنظمتها الزمانية، كما في قوله تعالى: “يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ” (الرحمن: 29).
وقد ذكرت الآيات القرآنية أن الله تعالى خلق الكون من سموات وأرض وما بينهما في ستة أيام، وعلى الرغم من اختلاف المفسرين في تحديد مقدار هذه الأيام، إلا أن التفسير المتفق عليه هو أنها ستة أزمنة متساوية لا يعلم حقيقتها إلا الله، كما في قوله تعالى: “اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ” (السجدة: 4).
ولعظم شأن الوقت، أقسم به الله عز وجل في فواتح بعض السور القرآنية؛ لأن الله عندما يقسم بشيء، فإن ذلك يدل على عظم شأنه، كقوله تعالى: “وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ” (العصر: 1-2)، وقوله تعالى: “وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى” (الليل: 1-2)، وقوله تعالى: “وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ” (الفجر: 1-2).
إدارة الأولويات والوقت
إن إدارة الوقت هي من أهم عوامل نجاح أي شخص، بغض النظر عن مجاله، سواء كان رب أسرة، أو تاجرًا، أو مزارعًا، أو حتى رئيس دولة؛ فكل فرد من هؤلاء يحتاج إلى إدارة ذاته أولاً وقبل كل شيء لتحقيق الإنجازات المرجوة. يتمتع الإنسان بحرية كاملة في استغلال وقته، ومن هذا المنطلق ظهر مفهوم إدارة الوقت، الذي يشمل أهداف الفرد وسلوكياته التي يتبعها لتحقيق الحياة التي يطمح إليها؛ فالفرق يكمن بين الشخص الذي يعيش حياة طويلة دون إنجازات تذكر، والشخص الذي يستطيع استثمار وقته، ويعرف ما يريد وما لا يريد، ويسيطر على أحداث حياته ليؤثر في البيئة التي يعيش فيها، على الرغم من قصر حياته.
بالمقابل، يرى الكثير من الناس أن تنظيم الوقت يعني العمل المستمر دون راحة أو ترفيه، والبعض الآخر يرى أن تنظيم الوقت أمر غير ضروري لأنهم لا يقدرون قيمته؛ وهذا أدى إلى تدني إنتاجية مجتمعاتنا في مختلف المجالات والمستويات مقارنة بالمجتمعات الغربية، مما أدى إلى اضطراب التحصيل العلمي وتراجع إنتاج الفرد، وضياع الوقت والعمر دون فائدة.
لإدارة الوقت فوائد عديدة قد تظهر مباشرة أو على المدى الطويل، كشعور الشخص بالتحسن في جميع جوانب حياته، وإيجاد وقت للقاء العائلة وقضاء أوقات ممتعة معها، بالإضافة إلى تحقيق الأهداف الشخصية والنتائج المرضية في العمل، مما يعود على الفرد بمزايا عديدة، مثل زيادة الراتب والعلاوات. كما تساعد إدارة الوقت على تقليل الضغوط الاجتماعية والمادية، وإنجاز المهام في أقل وقت ممكن وبأقل جهد، مما يتيح للفرد القدرة على استغلال الفرص التي تمكنه من اكتساب الخبرات وتطوير نفسه للوصول إلى قمة النجاح.
وسائل عملية لتنظيم الوقت
نظرًا لأهمية الوقت، يجب على كل شخص اغتنامه واستغلاله دون تضييع أي جزء منه سدى. يمكن اتباع النصائح التالية لتنظيم الوقت:
- الاستيقاظ مبكرًا كل صباح؛ حيث يهيئ الشخص نفسه جسديًا ونفسيًا قبل بدء العمل، وذلك بممارسة بعض التمارين الرياضية أو شرب أي مشروب صباحي.
- وضع خطة يومية وتدوينها؛ لتحديد المهام الرئيسية وتخصيص وقت مناسب لكل مهمة على حدة، مع تجديد الخطة بشكل دوري حسب المهام والاحتياجات.
- أخذ قسط من الراحة والهدوء بين كل عمل وآخر؛ للترفيه عن النفس دون تحميل الشخص ضغوطًا إضافية.
- تقييم الأداء في إنجاز المهام التي تم تدوينها في الخطة، وذلك بالاطلاع عليها من حين لآخر؛ للتأكد من نجاح البرنامج.
- عند الانتهاء من أي مهمة تم تدوينها في الخطة، يمكن وضع علامة بجانبها كدليل على إنجازها؛ وهذا من شأنه أن يحفز الشخص على إنجاز بقية المهام الأخرى.
- تجنب المشاكل ومحاولة حلها بطريقة سليمة؛ لأن الطاقة السلبية تعمل على تضييع الوقت وتدمير الإنجازات.
ويجب على الإنسان أن يتذكر دائمًا أن الله سيسأله عن وقته يوم القيامة، كما جاء في قول رسولنا الكريم: “لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسأَلَ عن أربعٍ عن عُمرِهِ فيما أفناهُ وعن عِلمِهِ ما عملَ بِهِ وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيما أنفقَهُ وعن شبابِهِ فيما أبلاهُ”.
وعندما يحاسب الإنسان يوم القيامة على وقته فيما أبلاه، سيتمنى لو أنه استطاع الرجوع إلى حياته الدنيا ليغتنم وقته بالشكل الصحيح في الأعمال الخيرة والصالحة التي تكسب رضا الله عز وجل؛ فالوقت أثمن من استغلاله في الأمور غير المجدية والأحاديث التي لا فائدة منها.