مقدمة عن الرسائل الديوانية
الرسائل الديوانية هي تلك المراسلات والمكاتبات التي كانت تُستخدم قديمًا في التواصل بين الحكام والملوك والأمراء والشخصيات السياسية البارزة. هذه الرسائل، التي كانت تُعرف أيضًا بالرسائل السلطانية أو السياسية، تحمل أهمية خاصة نظرًا للدور الذي تلعبه في تسيير شؤون الدولة وإدارة الحكم. تتميز هذه الرسائل بأسلوبها الخاص وخصائصها المميزة التي تعكس طبيعة العلاقة بين المرسل والمستقبل، وأهمية المعلومات التي تحتويها.
السمات المميزة للرسائل الرسمية
تتميز الرسائل الديوانية بعدة خصائص تجعلها فريدة ومتميزة عن غيرها من أنواع الكتابة. هذه الخصائص تشمل:
سهولة الأسلوب
يُقصد بالبساطة في الرسائل الديوانية الابتعاد عن التعقيد والتكلف في اللغة المستخدمة. يجب أن تكون الألفاظ سهلة وواضحة، مع مراعاة مكانة المتلقي. يُفضل تجنب الإطالة والمبالغة في الكلام، والتركيز على توصيل المعلومة بأسلوب مباشر ومفهوم.
الاختصار والتكثيف
الإيجاز يعني عدم الإسهاب في الكلام، والدخول مباشرة في صلب الموضوع دون مقدمات طويلة ومملة. يجب أن تكون الرسالة مختصرة ومكثفة، مع مراعاة أهمية الرسالة ومحتواها. قد تختلف طول الرسالة وقصرها بناءً على طبيعة الموضوع وأهميته.
الوضوح والجلاء
البيان والوضوح هما أساس أي رسالة ديوانية ناجحة. يجب أن تكون الجمل واضحة ومفهومة، وخالية من أي غموض أو لبس. يجب مراعاة ضبط المعنى وتقديمه بلغة مباشرة وسهلة الفهم، بحيث لا تترك مجالًا للتأويل أو التفسير الخاطئ.
مراعاة المقام
الملاءمة تعني مراعاة منزلة المخاطب ومكانته الاجتماعية والسياسية. يجب أن يكون الأسلوب المستخدم في الرسالة مناسبًا لمكانة المتلقي، مع الأخذ في الاعتبار عدم التعقيد أو استخدام الألفاظ التي قد لا تكون مناسبة لمقامه.
جودة الصياغة
جودة التعبير تعني أن تكون الرسالة مكتوبة بأسلوب رفيع ومتقن، يعكس مستوى عالٍ من الفصاحة والبلاغة. يجب أن تكون الرسالة خالية من الأخطاء اللغوية والإملائية، وأن تكون صياغتها محكمة ومناسبة للمقام الرفيع الذي تتوجه إليه.
نماذج من الخطابات التاريخية
فيما يلي بعض الأمثلة على الرسائل الديوانية التي تعكس الخصائص المذكورة:
رسالة الرسول -صلى الله عليه وسلم – إلى هرقل ملك الروم:
“بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الرومسلام على من اتبع الهدى.أمّا بعد، فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرّتين وإن توليت فإنّ عليك إثم الأريسيين، {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }.”
رسالة الرسول -صلى الله عليه وسلم – إلى حضرموت:
“مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى الأَقْيَالِ الْعَبَاهِلَةِ وَالأَرْوَاعِ الْمَشَابِيبِ مِنْ أَهْلِ حَضْرَمَوْتٍ بِإِقَامِ الصَّلاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ الْمَعْلُومَةِ عِنْدَ مَحِلِّهَا فِي التِّيعَةِ شَاةٌ لا مُقَوَّرَةُ الأَلْيَاطِ وَلا ضِنَاكٌ وَأنْطُوا الثَّبَجَةَ وَفِي السُّيُوبِ الْخُمْسُ وَمَنْ زَنَى مِم بِكْرٍ فَاصْقَعُوهُ مِائَةً وَاسْتَوْفِضُوهُ عَامًا وَمَنْ زَنَى مِم ثَيِّبٍ فَضَرِّجُوهُ بِالأَضَامِيمِ وَلا تَوْصِيمَ فِي الدِّينِ وَلا غُمَّةَ فِي فَرَائِضِ اللَّهِ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٍ يَتَرَفَّلُ عَلَى الأَقْيَالِ أَمِيرٌ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ فَاسْمَعُوا وأطيعوا”.
رسالة عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنهما- ومن معه من الأجناد:
“أمّا بعد فإني آمرك ومن معك من الأخيار بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا، لن نغلبهم بقوتنا”.
