ملخص كتاب في تاريخ التنظير الأدبي لدى العرب

تحليل لمراحل تطور الفكر النقدي عند العرب ابتداءً من أواخر القرن الثاني الهجري مرورًا بمحاولات القرن الثالث، وصولًا إلى الاتجاهات النقدية في القرن الرابع وما تلاها.

مقدمة

يُعد كتاب “تاريخ النقد الأدبي عند العرب” للدكتور إحسان عباس، مرجعًا هامًا في دراسة تطور الفكر النقدي العربي. يتناول الكتاب فترة زمنية تمتد من القرن الثاني الهجري وحتى القرن الثامن الهجري، مسلطًا الضوء على أبرز الملامح والتحولات التي شهدها النقد الأدبي خلال هذه الحقبة. صدرت الطبعة الأولى من الكتاب عن دار الثقافة عام 1971، ويقع في مجلد واحد يضم 657 صفحة. يقدم الكتاب تحليلًا مفصلًا للحالة الشعرية في تلك الفترة، مع نقد أدبي عميق للأشعار وتحليل لخصائصها الفنية.

الرؤى النقدية في نهاية القرن الثاني الهجري

في هذا القسم، يتناول الدكتور إحسان عباس الأسس التي قام عليها النقد الأدبي في القرن الثاني الهجري. يوضح أن النقد مر بمرحلة من التطور التدريجي حتى استقرت له قواعد أساسية، يمكن تلخيصها في الآتي:

  • مبدأ اللياقة: وهو مراعاة ملاءمة الألفاظ للمعاني والمواقف.
  • مبدأ الجودة المثالية: السعي إلى تحقيق أعلى مستويات الجودة في النص الأدبي.
  • مبدأ الخضوع للعرف: الالتزام بالتقاليد والأعراف الأدبية السائدة في تقييم البيت الشعري المفرد.
  • مبدأ استجابة الرواة للتغيير في الشعر.
  • مبدأ الخليل ومصطلح العروض البدوي.
  • قانون الشمول الخاطئ.

مثال على ذلك، يُذكر الكتاب: “وفي طليعة تلك القواعد اعتماد النقد على مبدأ اللياقة فالشماخ معيب حين يقول مخاطباً ناقته: إذا بلغتني وحملت رحلي عرابة فاشرقي بدم الوتين، لأنّ قوله (اشرقي بدوم الوتين) اسوأ مُكافأة لها على ما قدمته له من معروف”.

جهود التنظير في القرن الثالث

يشير المؤلف إلى أنه لم يتم تأليف كتب متخصصة في النقد الأدبي في القرن الثالث الهجري، إلا أن هذه الفترة شهدت بروز شخصيات هامة في هذا المجال، مثل أبو العباس بن محمد المعروف بابن شرشير، الذي كان شاعرًا ومتكلمًا ومتخصصًا في النحو والعروض.

يُشار إلى أن: “عاش فترة من حياته في بغداد ثم هاجر إلى مصر وتوفي فيها وما كنّا نعلم أنّ له مُشاركة في النقد لولا أنّ أبا حيان التوحيدي وصفه في كتاب البصائر والذخائر بالتفوق في هذا المضمار”.

المدارس النقدية في القرن الرابع

يشير الكتاب إلى أن القرن الرابع الهجري شهد تطورًا كبيرًا في الاتجاهات النقدية، وذلك بفضل شخصيات محورية مثل أبو تمام والمتنبي وأرسطو. هؤلاء الثلاثة وضعوا أسسًا نظرية وتطبيقية للنقد، مما أدى إلى تعمق النقاد في دراسة العلاقة بين النظرية والتطبيق، وإلى ظهور شخصيات نقدية متميزة.

ويذكر الكتاب: “إن المبادئ النقدية التي استخدمت في دراسة الإعجاز القرآني على يد جماعة من غير النقاد فيهم الخطابي والرماني والباقلاني وذلك مجال آخر حقيق بالدرس والنظر”.

التنظير في القرن الخامس الهجري

في هذا القسم، يتطرق الدكتور إحسان عباس إلى التحولات التي طرأت على الأساليب الشعرية، حيث بدأت تظهر توصيات بأن يكون الشعر أكثر سهولة وسطحية ليكون أقرب إلى النفوس والأفهام. أدى ذلك إلى تغيرات في الذوق الأدبي، بلغت حد الأزمة التي كان المتنبي أحد أسبابها، والتي أثرت بدورها على خصائص الشعر.

ويوضح الكتاب: “وكان المتنبي نفسه هو سر تلك الأزمة: فقد كان المُنتظر حسب طبيعة الأشياء أن يكون شعراء القرن الرابع أو المُتميّزون منهم هم مِحور النقد الذي سيدور في القرن الخامس”.

التنظير في القرنين السادس والسابع

يتناول هذا القسم انتشار الإنتاجات الأدبية على أساس جغرافي، والوصول إلى مرحلة أصبح فيها الأدب والشعر والنقد مهددين بالضياع، وذلك بسبب تراجع الاهتمام بالشعر وانصراف الكتاب والناس نحو فنون الزجل.

ويذكر الكتاب: “وسلك المؤرخو للأدب في تواليفهم إحدى طريقتين: فإمّا ساروا على طريقة الثعالبي في تأليف موسوعي يضم أشهر شعراء كلّ إقليم وأدبائه كما فعل العماد الأصفهاني في الخريدة”.

أفكار أساسية من الكتاب

فيما يلي بعض الاقتباسات الهامة من الكتاب:

  • “وقريب من هذه القاعدة قاعدة أخرى نشات عن ملاحظة الجودة المثالية في الشئ الموصوف فالشاعر قد يصف فَرَسه بأنّ شعره مسترسل على جبينه وكذلك هو في واقع حاله، فيُعاب بهذا الوصف لأنّ العرب اتفقت على أنّ الفَرَس الجيّد لا يكون شعره كذلك”.
  • “فالناشئ يقول في تعريف الشعر ووصفه: “الشعر قيد الكلام وعقال الأدب وسور البلاغة ومحلّ البراعة ومجال الجنان ومسرح البيام وذريعة المُتوسل ووسيلة المُترسل وذمام الغريب وحرمة الأديب”.”
  • “وقد استعمل النقد في هذه المجالات جميع الوسائل التي ورثها من العصر السابق وممّا قبله من عصور ولم يطرح منها إلا ما كانت تفرضه مُناسبة دون أخرى”.

يستخلص من الكتاب تتبع تاريخي ومنطقي لتطور وازدهار النقد الأدبي على مدى ستة قرون، حيث بدأ النقد كآراء وأفكار تطورت وتماسكت تدريجيًا حتى أصبحت علمًا قائمًا بذاته، وتأثر هذا العلم بشكل كبير بالجوانب الاجتماعية والسياسية السائدة.

المراجع

  • إحسان عباس، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، صفحة 1-657. بتصرّف.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

نظرة عامة على كتاب تاريخ الأدب العربي في الحقبة الجاهلية

المقال التالي

نظرة عامة على مسيرة تونس التاريخية

مقالات مشابهة