لمحة عن الغزل الحسي في العصر الأموي
يعتبر الغزل الحسي فناً شعرياً ازدهر في العصر الأموي، وتميز بخصائص فريدة تعكس طبيعة المجتمع آنذاك. هذا النوع من الشعر، الذي يُعرف أيضاً بالغزل الصريح أو الحضري، عكس جوانب من حياة الترف والاستقرار التي شهدتها الحواضر الأموية، خاصةً في الشام.
الخصائص البارزة للغزل الحسي
تمتع الغزل الحسي في العصر الأموي بعدة سمات جعلته متميزاً عن غيره من أنواع الشعر الغزلي. من أبرز هذه السمات:
- تعدد المحبوبات: عدم الاقتصار على معشوقة واحدة، والتنقل بين النساء في القصيدة.
- الاستمرارية: التركيز على استمرارية العلاقة العاطفية ووصف تفاصيلها المتجددة.
- الوصف الشامل: وصف دقيق لكل ما يتعلق بالمحبوبة، من اللقاءات العابرة إلى لحظات الشوق واللهفة.
- العاطفة المتأججة: التعبير عن مشاعر الحب والعشق بشكل جياش ومتقد.
- الرضا في الحب: التأكيد على الرضا والقناعة بالعلاقة العاطفية، وعدم التطلع إلى ما هو أبعد.
- تبجيل المرأة: إظهار الاحترام والتقدير للمرأة في وصفها، وإبراز محاسنها.
- الحرص على رضا المحبوبة: السعي الدائم لنيل رضا المحبوبة وتجنب إغضابها.
- المرأة العاشقة: تصوير المرأة كعاشقة متيمة، وليست مجرد معشوقة سلبية.
- وصف صفات المحبوب: التركيز على وصف صفات المحبوب، سواء كانت حسية أو معنوية.
- معاناة الشكوى المتواصلة: التعبير عن المعاناة والألم الناتج عن الشوق والفراق.
- تجاهل اللائمين: عدم الاكتراث بآراء العذال واللوم في العشق.
- تمني الملازمة الدائمة: الرغبة في قضاء العمر كله بجوار المحبوب.
- الخضوع لسلطة المحبوب: الاستسلام التام لسلطان المحبوب وقراراته.
- وصف محاسن المُحب: إبراز الصفات الجذابة في المحب، سواء كانت خلقية أو خُلقية.
- الوصف الحسي للمرأة: التركيز على وصف الجمال الجسدي للمرأة، وإبراز مفاتنها.
- ذكر محاسن المحبوبة: تعداد الصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة في المحبوبة.
لقد تأثر الشعر في تلك الفترة بالإسلام تأثراً واضحاً، خاصةً بالقرآن الكريم، مما أدى إلى ظهور الغزل العفيف الذي ابتعد عن الفساد. وكان للإسلام دور كبير في ظهور هذا النوع من الغزل، حيث تغزل الشعراء بزوجاتهم وأظهروا مشاعر الحب والاحترام لهن.
ازدهر الغزل الصريح في حواضر الشام نتيجة للاستقرار الأمني والرخاء الاقتصادي والتسامح الديني، مما منح الشعراء الحرية في التعبير عن مشاعرهم وتفننهم في أشعارهم. ومن أبرز شعراء الغزل الصريح في العصر الأموي عمر بن أبي ربيعة، الذي أبدع في هذا المجال وأكثر فيه، حتى أن قصائده قد تتضمن وصفاً لعشيقات يصل عددهن إلى الأربعين.
نماذج من الشعر الحسي الأموي
تتجلى خصائص الغزل الحسي في العديد من القصائد التي وصلتنا من العصر الأموي. ومن الأمثلة البارزة على ذلك:
يقول عمر بن أبي ربيعة:
مَرَّ بي سِربُ ظِباءِ ::: رائِحاتٍ مِن قُباءِ
زُمَراً نَحوَ المُصَلّى ::: مُسرِعاتٍ في خَلاءِ
فَتَعَرَّضتُ وَأَلقَي ::: تُ جَلابيبَ الحَياءِ
وَقَديماً كانَ عَهدي ::: وَفَتوني بِالنِساءِ
المصدر: الديوان
ويقول الأحوص:
تَعَرَّضُ سَلماكَ لَمّا حَرَمـ ::: ـتَ ضَلَّ ضَلالُكَ مِن مُحرِمِ
تُريدُ بِهِ البِرَّ يا لَيتَهُ ::: كَفافاً مِنَ البِرَّ وَالمَأثَمِ
المصدر: الديوان
ويقول العرجي:
يا دارَ عاتِكَة الَّتي بِالأَزهَرِ ::: أَو فَوقَهُ بِقَفا الكَثِيبِ الأَحمَرِ
لَم أَلقَ أَهلَكِ بَعدَ عامَ لَقِيتُهُم ::: يا لَيتَ أَنَّ لِقاءَهُم لَم يَقدَرِ
بِفِناءِ بَيتِكِ وَاِبن مُشعَبَ حاضِرٌ ::: في سامِرٍ عَطِرٍ وَلَيلٍ مُقمِرِ
مُستَشعِرِينَ مَلاحِفاً هَرَويَّةً ::: بِالزَعفَرانِ صِباغها وَالعُصفُرِ
باتا بِأَنعَمِ لَيلَةٍ حَتّى بَدا ::: صُبحٌ تَلَوَّحَ كَالأَغَرِّ الأَشقَرِ
فَتَلازَما عِندَ الفِراقِ صَبابَةً ::: أَخذَ الغَرِيمِ بِفَضلِ ثَوبِ المُعسِرِ
المصدر: الديوان
تعريف بمفهوم الغزل
الغزل لغةً: هو التغني بالجمال، والتعبير عن الشوق والفراق. ويعرف شعر الغزل بأنه الشعر الذي يقال في المرأة لوصفها والتشبب بها.
الغزل اصطلاحًا: هو ظاهرة أدبية فرضتها البيئة، وشاعت في أرض الحجاز. وله نوعان رئيسيان: الغزل العذري الذي يركز على الجوانب الروحية والعاطفية، والغزل الحسي أو الصريح الذي يتناول الجمال الجسدي للمرأة.
الغزل الصريح: هو الغزل الذي يبرز مفاتن المرأة، ويقوم على وصفها حسياً، كما يصف اللقاءات بين الرجل والمرأة، ويتنقل الشاعر بين النساء دون الاكتفاء بمحبوبة واحدة.
في شعر الغزل، يتغنى الشاعر بصفات حبيبته الجمالية والخلقية، ويجسد من خلال أبيات القصيدة معاناته لفراقها أو الابتعاد عنها، أما في الغزل الصريح فيتغنى الشاعر بجمال حبيبته الجسدي ومفاتنها.