مكانة الوالدين وأهمية برهما

استكشاف مكانة الوالدين في الإسلام وأهمية الإحسان إليهما. تعرف على فضل الأم ودورها العظيم.

أهمية حقوق الوالدين

إنّ من أعظم الحقوق التي يجب على المسلم الوفاء بها بعد حق الله تعالى، هو حق الوالدين، الذي يأتي في المرتبة التالية لحقه سبحانه. وقد ربط الله تعالى بين حقه وحق الوالدين في آيات عديدة، مما يدل على عظم هذا الحق وأهميته. قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل قرن سبحانه شكره بشكرهما، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾. والسبب في هذا الاقتران هو أن الله تعالى هو المتكفل بالنشأة الأولى للإنسان، بينما الوالدان هما سبب وجوده ونشأته الثانية، وهما من يتحملان مسؤولية تربيته وتنشئته.

من هما الوالدان؟

الوالدان هما الأب والأم، وهما الأساس في تكوين الأسرة وبناء المجتمع. وقد خصّهما الله تعالى بمنزلة عظيمة، وجعل حقهما من الحقوق العظيمة التي يجب على المسلم القيام بها. وقد تجلّى تعظيم الله -تعالى- لحق الوالدين في ثلاثة أمور رئيسية: أولها، جعله حق الوالدين تابعاً لحقه ولحق رسوله صلى الله عليه وسلم، الذي أرشد الناس إلى طريق الهداية. وثانيها، جعل حقهما من الأسباب التي ينال بها العبد رضا الله والفوز في الدنيا والآخرة. وثالثها، منع إسقاط حقهما في أي حال من الأحوال، حتى في حالة الجهاد، فإذا كان الجهاد فرض كفاية، فلا يجوز للمسلم أن يخرج إليه إلا بإذن والديه ورضاهما.

أهمية مكانة الوالدين

أولى الإسلام الوالدين مكانة عظيمة، وأوجب برّهما والإحسان إليهما في الكثير من الآيات القرآنية. وتتجلى هذه الأهمية في الأمور التالية:

  • تحمّل الوالدين المشاق والصعاب في سبيل تربية أولادهم وتوفير الحياة الكريمة لهم، وغمرهم بالحب والعطف والحنان. فالأم تتحمل أعباء الحمل والولادة والرضاعة والسهر، والأب يسعى جاهداً لتأمين الرزق وتلبية احتياجات الأسرة.
  • وجود علاقة نسب وقرابة قوية بين الوالدين وأولادهم، وهي علاقة لا تنقطع بمرور الزمن.
  • كون الوالدين هما السبب في وجود أولادهم في هذه الحياة، ولذلك جعل الله طاعتهما وبرّهما من أعظم الطاعات بعد طاعته سبحانه وتعالى. فالطاعات ثلاث مراتب: طاعة الله الذي خلق الإنسان، ثم طاعة الوالدين اللذين كانا سبباً في وجوده، ثم طاعة من تولى تربيته والعناية به في حال إهمال والديه له.

صور الإحسان إلى الوالدين

حثّت الكثير من الآيات القرآنية الكريمة على الإحسان إلى الوالدين وبرّهما، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا * وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا﴾. ومظاهر البر بالوالدين كثيرة، منها: التواضع لهما في الأقوال والأفعال، ومصاحبتهما بالمعروف، والحرص على رضاهما بامتثال أوامرهما واجتناب نواهيهما، والإكثار من الدعاء لهما بعد وفاتهما، والمحافظة على صلة أصحابهما وأقاربهما. ومن فضل بر الوالدين والإحسان إليهما أنه من أحب الأعمال إلى الله تعالى وأفضلها بعد الصلاة على وقتها، لقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: سَأَلْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قالَ: الصَّلَاةُ علَى وقْتِهَا قالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: برُّ الوَالِدَيْنِ.

و تجدر الإشارة إلى بعض مظاهر عناية الإسلام بالوالدين:

  • الأمر ببر الوالدين والإحسان إليهما سواء كانا مسلمين أو غير مسلمين، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾.
  • لم يكن الأمر بالبر مقتصراً على هذه الأمة بل شمل الأمم السابقة، لقوله تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾.
  • المقارنة بين الشرك بالله وعقوق الوالدين، لقوله تعالى: ﴿قُل تَعالَوا أَتلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُم عَلَيكُم أَلّا تُشرِكوا بِهِ شَيئًا وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا﴾.

فضل الأم ومنزلتها

دعا الإسلام إلى بر الوالدين والإحسان إليهما، إلا أنه أولى الأم اهتماماً خاصاً. ويتجلى ذلك في أمرين: أولهما، أن الله تعالى خص الأم بالذكر في قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾. وثانيهما، أن الإسلام قدم برها والإحسان إليها على ما يكون للأب من ذلك، لقول أبي هريرة رضي الله عنه: جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ. فنصيب الأم من البر وحسن الصلة أعظم فهو يعادل ثلاثة أمثال نصيب الأب، والسبب في هذه المكانة الخاصة التي منحها الإسلام للأم هو انفرادها بتحمل مشقتي الحمل والولادة، بالإضافة إلى مسؤوليتها عن تربية الطفل والعناية به.

المصادر

  • القرآن الكريم
  • صحيح البخاري
  • مسند أحمد
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

نظرة في الواقعية بالفقه المالكي

المقال التالي

الأوراق الضرورية للسفر: دليل شامل للمسافر

مقالات مشابهة