ما هي آلة العود؟
آلة العود هي آلة موسيقية وترية، تتميز بصندوق صوت عميق على شكل كمثرى. تعدّ آلة العود من أهم الآلات في الموسيقى العربية والشرقية. لا تحتوي آلة العود على دساتين (Frets) على لوحة الأصابع، مما يمنح العازف مرونة أكبر في إصدار النغمات المختلفة. تعتمد الآلة على ريشة للعزف على الأوتار المشدودة، وتوجد مفاتيح لضبط النغمات على جانبي صندوق المفاتيح. يتكون العود التقليدي عادةً من أربعة أو خمسة أزواج من الأوتار، ولكن توجد أنواع بستة أزواج.
تعتبر آلة العود القديمة الأصل الذي تطورت منه آلة العود الأوروبي (Lute)، مع اختلاف في طول الرقبة وانحناء صندوق المفاتيح. منطقة العزف في العود الأوروبي والجيتار تشبه إلى حد كبير العود القديم، ولكن النغمات الصادرة تختلف. في منطقة البلقان، تُعرف آلة العود باسم “العود” أو “Uti”، وفي تركيا باسم “لاوتا”، وفي شمال أفريقيا باسم “kuwītra”، وهي كلها أنواع مختلفة من آلات العود تختلف في طول الرقبة.
لمحة تاريخية عن آلة العود
يشير العديد من المؤرخين وعلماء الموسيقى إلى أن آلة العود ظهرت في مصر القديمة قبل أكثر من 3500 عام. تم العثور على آلة عود طويلة يعود تاريخها إلى عام 1300 قبل الميلاد، بالإضافة إلى ريشة عزف خشبية مثبتة على العود بواسطة حبل في مقبرة بأحد المعابد الفرعونية. هذا يدل على اهتمام المصريين بالموسيقى وتقديسهم لها، حيث كان لديهم إله للموسيقى يسمى حتحور.
وقد اختلف الباحثون في أصل آلة العود، فمنهم من يعتقد أن أصلها من بلاد فارس وانتقلت إلى العرب في نهاية القرن السادس، بينما يرى آخرون أن ظهورها الأول كان في مصر. وقد عارض هذا الرأي علماء آخرون، معتقدين أن المصريين أخذوا العود من بلاد ما بين النهرين، وأن العود كان سومرياً. ويرى عالم الموسيقى الألماني ستادور أن العود ظهر في وقت سابق في الحضارة الآرية، حيث وجدت آلة مشابهة تعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد.
ويرى عالم الموسيقى العراقي صبحي رشيد، بناءً على دراسة مقارنة للآثار والأختام الأسطوانية، أن آلة العود ظهرت في مواقع أثرية مختلفة في العراق، وتحديداً في بلاد ما بين النهرين في عهد الإمبراطورية الأكادية (2370-2083 قبل الميلاد)، ثم ظهرت في إيران في القرن الخامس عشر قبل الميلاد. وينسب رشيد اختراع العود إلى القبائل الأكادية التي جاءت إلى العراق من شبه الجزيرة العربية. أظهرت الوثائق البابلية نوعين من العود، أحدهما بعنق قصير وصندوق صوت مستطيل، والآخر بعنق طويل جداً وصندوق صوت صغير. وقد ذكر ستة مؤلفين على الأقل منذ القرن التاسع أن أول من عزف على آلة العود هو لامك بن قابيل بن آدم، وقد ذكر المفضّل بن سلمة ذلك لهشام بن الكلبي.
أصل تسمية العود
تعود تسمية العود إلى الشجرة التي صنع منها، وهي شجرة العود. قام الأتراك بتحويلها إلى كلمة “UD” لتوافق لغتهم. تعرف الغرب على هذه الآلة خلال الحروب الصليبية بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر، وأطلقوا عليها أسماء مختلفة مثل “Lute” بالإنجليزية، و”Luth” بالفرنسية، و”Liuto” بالإيطالية. يشير الموسيقار سنوشين تانريكورور إلى أن العود ليس آلة عربية على الرغم من أن أصل الكلمة عربي، ويرى أن العرب رأوا هذه الآلة لأول مرة في بغداد في القرن السابع، بينما كان الأتراك يعزفون عليها، إذ جاءت إليهم من خراسان، حيث لم يكن العرب يستخدمون سوى الدف والربابة، وهي آلات مشابهة لآلة تركية تدعى قوبوز، والتي استخدمها الأتراك في العزف قديماً منذ زمن الهون.
الهيكل الأساسي لآلة العود
تتكون آلة العود من عدة أجزاء أساسية:
- رقبة العود: تصنع من الخشب الخفيف وقشرتها من الخشب الصلب، وغالباً ما تكون من خشب الأبنوس. في عام 1100م، كانت تحتوي آلة العود على دساتين، ثم تلاشت تدريجياً بحلول عام 1300م، مما يتيح للعازف الوصول إلى الاهتزازات المطلوبة وعزف النغمات الصغيرة جداً.
- صندوق المفاتيح: ينحني هذا الصندوق عن رقبة العود بزاوية تتراوح بين 45°-90° درجة، ويساعد على تثبيت الأوتار غير المشدودة في منطقة أنف العود، حيث تبقى الأوتار حرة الحركة خلال الضغط عليها أثناء العزف.
- المفاتيح: مفاتيح مدببة مصنوعة من الخشب الصلب، ومثبتة في الثقوب المحفورة في صندوق المفاتيح.
- صندوق الصوت: يتكون من مجموعة من العصيّ الخشبية المصنوعة من الخشب الصلب، كخشب القيقب، أو الكرز، أو الأبنوس، أو الورد، لتشكل أضلاع الصندوق. يتم توصيل حافة الأضلاع ببعضها البعض باستخدام الغراء لتكوين جسماً عميقاً مدوراً.
- لوحة الصوت: أو تسمى بطن الآلة، وهي لوحة مسطحة رقيقة تشبه شكل الدمعة، ومصنوعة من خشب الصنوبر أو التنوب. تحتوي هذه اللوحة على فتحات صوتية مزخرفة أو ما يسمى الوردة، وهي عبارة عن ثقوب صوتية يتراوح عددها بين 1-3 ثقوب.
- مشط العود: يرتبط هذا الجزء مع لوحة الصوت، ويحتوي على ثقوب تُربط عليها الأوتار.
- الأوتار: تتكون غالباً من 5 أزواج تنسجم مع بعضها لتشكل الصوت. كانت تصنع قديماً من الأمعاء وبعض المعادن، وحديثاً تم إنتاج أوتار من الأمعاء والنايلون. الأوتار المعوية أكثر موثوقية ولكنها تتأثر بالرطوبة، بينما النايلون أقل موثوقية ولكنه يوفر ثباتاً أكبر في النغمات.
أنواع آلة العود المختلفة
تنوعت آلات العود وتعددت حتى تميزت عن بعضها البعض، ومن أنواع آلة العود:
العود العربي
يعتبر العود العربي من أكثر الآلات انتشاراً، حيث يستخدم في شبه الجزيرة العربية، والعراق، وفلسطين، ولبنان، والأردن، وسوريا، وشمال إفريقيا، وإيران. يتميز العود العربي بصوت رومانسي عميق ومتوازن بسبب جسمه الكبير المستدير. يصنع من أنواع مختلفة من الخشب، ويتراوح طوله بين 61-62 سم من حافة مشط العود إلى أنفه. يحتوي سطحه على ثقب واحد أو ثلاثة ثقوب صوتية مزينة بأشكال وردية تمر فوقها أوتار من خيوط النايلون المزدوجة، وغالباً ما يكون عددها خمسة أوتار، ووتر لطبقة الصوت المنخفضة، وهناك أنواع تحتوي على 10-12 وتراً، ولكن الشائع هو 11 وتراً.
العود التركي
يتميز العود التركي بصوته الفريد، ويعود هذا النوع من العود إلى سلالة مختلفة، وله بناء مختلف. انتشر استخدامه في اليونان وتركيا، ويتميز بصوته المملوء بالإشراق والحركة. تكون أوتاره مشدودة أكثر من العود العربي، وسمك لوحة الصوت لديه أرفع، مما يعطي استدامة في الصوت أكثر من العود العربي. يصنع غالباً من خشب شجر التنوب، وهو ما يفسر ظهوره بلون فاتح، إذ يبلغ طوله 58.5 سم، وهو أصغر حجماً بقليل من أنواع العود الأخرى. عادة ما تكون منطقة التقاء لوحة الصوت مع لوحة الأصابع مزخرفة، ويحتوي سطحه على ثلاثة فتحات صوتية أصغر من فتحات العود العربي مزينة بالأشكال الوردية.
العود العراقي
يتميز العود العراقي بصوته الفريد والنقي الذي يشبه الجيتار، وقد استخدم في العراق. يتميز بأنه يحتوي على مشط عائم كما في آلة المندولين والبزق الإيرلندية. يحتوي سطحه على فتحات صوتية بيضاوية الشكل دون أي زخارف. تم تطوير هذا الشكل من العود في القرن الماضي بواسطة محمد فاضل حسين.
العود الإيراني
ظهر في إيران نوعان من العود، أحدهما العود العربي، والآخر العود الإيراني الذي يسمى بالفارسية بربط، وهو أكثر رواجاً من العود العربي؛ لأنه تم تحديثه عن البربط القديم الذي استخدم في إيران قبل الفتح الإسلامي. يتميز هذا النوع من العود بصوت غليظ أكثر من العود العربي، كما يحتوي البربط على 5-6 أزواج من الأوتار. يتميز جسمه بأنه أصغر وأعمق قليلاً من العود العربي والتركي مما يسمح بمرور نغمات أعلى على لوحة الأصابع بكل سهولة. يعتقد الكثير بأن العود العربي متطور عن العود الإيراني، بمعنى آخر أن العود الإيراني هو سلف العود العربي. وقد قام عدد من صانعي الآلات الموسيقية بإعادة إنتاج هذا النوع من البربط، ومن الأمثلة عليها: غنباري بربط والذي تم إعادة صنعه من قِبل محمدي إخوان، وعرفاتي بربط.
العود الإلكتروني
يعد العود الإلكتروني من الابتكارات الجديدة التي ظهرت بعدة تصاميم، وصوته قريب من صوت العود التركي، إلا أن صوته لا يضاهي الصوت التقليدي وخصوصاً الصوت العميق؛ بسبب عدم وجود جسم حقيقي ولوحة صوت، مما يجعل الأمر صعباً. يمكن التحكم بالصوت المراد من خلال وضع بعض المقابس الإلكترونية في العود. وقد تمكن أحد صناع آلات العود (Dmitri Rapakousious) من صنع نماذج من العود الكهربائي مسطح الظهر الذي يعمل بطريقتين الإلكترونية والتقليدية، والذي يعطي صوتاً أكثر جودة عندما يتم عزفه بالطريقتين.
أساليب العزف على آلة العود
يستخدم العازف العديد من التقنيات الهامة أثناء عزفه على آلة العود، ومنها:
- العزف: ترافق الريشة آلة العود أثناء العزف، فتوضع اليد اليسرى على لوحة الأصابع الخالية من الدساتين، بينما تمسك اليد اليمنى بالريشة وتنقر على الأوتار.
- الاهتزاز والانزلاق: يستخدم العازف تقنية الاهتزاز (Tremolos) أو (vibrato) التي تؤثر على نغمة الصوت الصادر، وتساعد على تمديد صوت الدرجة الموسيقية، ويمكن تطبيق هذا الاهتزاز بنوعيه الحاد واللين، كما يستطيع العازف تطبيق الانزلاق (Glissando) في أي موقع على العود أثناء عملية العزف، ويمكن عمل تداخل بين الانزلاق والاهتزاز أثناء العزف لينتج اهتزاز من نوع آخر يطلق عليه اسم (Tremolando).
- التوافق: يمكن للعازف استخدام تقنية التوافق (Harmonics) أثناء عزفه للعود، ويجب على العازف فحص فعاليتها مع الأداء من خلال فحص مقدار استعمالها أثناء العزف.
- الدرجة الموسيقية المنخفضة: يمكن للعازف خفض صوت الدرجات الموسيقية جزئياً (Muted Notes) من خلال الضغط على الأوتار باليد اليمنى أثناء عملية العزف.
- النبرات والأجراس: يمكن للعازف القيام بالعزف المتصل (Legato) أو المنفصل (Staccato)، ويمكن أن يختلف جرس أو طابع الصوت (Timbre) الصادر تبعاً لقرب العزف من مشط العود، إذ تكون نبرة الصوت أكثر قسوة إذا كان العزف قريباً من مشط العود، بينما تظهر ليونة نبرة الصوت إذا كان العزف بعيداً عن منطقة المشط.
- تقنيات خاصة: إن مشاركة الأصابع للريشة أثناء عملية العزف من التقنيات المؤكدة التي قد يستخدمها العازف، ولكن يجب أن يستعملها بعد استشارة العازف المؤهل لذلك، وهناك تقنية التآلف بين نغمتين، ولكن لا يمكن تطبيق هذه التقنية؛ نظراً إلى عدم وجود الدساتين في العود الحديث، وهناك تقنية درجة الموسيقية التي تسمى (النعمة) (Grace Note) والتي تستخدم مزيجاً بين الدرجات الموسيقية كانطلاقة للدرجة الموسيقية الرئيسية.
مدارس العزف على العود
برزت مدرستان من مدارس تعليم عزف آلة العود في تاريخ هذه الآلة:
- النهج العثماني: ظهرت المدرسة الأولى أو العثمانية لأول مرة في اسطنبول على يد الموسيقيار علي رأفت كاجاتاي، ونيفريس بيك، بعدهما رفيق طلعت ألبمان، وسنوشين تانريكورور، حيث يعتمد مبدأ المدرسة على تطبيق تقنيات موسيقية في العزف كالانزلاقة الحساسة بأصابع اليد وتقنية الاهتزاز تجعل الصوت الصادر عاطفياً، ويُحدث نقر الريشة على الأوتار اهتزازاً يؤثر في شدة وحجم الرنين ما يبعث شعوراً للتفكر والتأمل.
- النهج الجمالي الثاني المصري: لقد ظهر دور المدرسة واضحاً في تضخيم صوت العزف؛ وذلك من خلال ضرب الأوتار ضربات ثابتة بالريشة ليصدر صوت قريب من الأغاني المصرية وهو ما يتطلب براعة الأداء في العزف.
كيفية الاعتناء بآلة العود
ينبغي أن يعتني عازف العود بآلته للحصول على الأداء الجيد، ومن أهم الطرق التي تساهم في الاعتناء بآلة العود:
- حفظ العود في مكان مخصص له أو حقيبة مناسبة بعد الانتهاء من استخدامه.
- عدم السماح لغير العازفين من العبث به أو لمسه.
- عدم تركه في السيارة.
- اصطحابه أثناء السفر بالطائرة ووضعه مع الحقائب اليدوية، لا سيما إذا تم استخدام حقيبة آلة العود المخصصة لها.
- تنظيف الأيدي جيداً قبل مباشرة العازف في العزف على آلة العود.
- حماية العود من درجة الحرارة العالية أو تغيرتها، وعدم تعريضه لأشعة الشمس المباشرة.
- استشارة أصحاب الخبرة والاختصاص المحترفين عند حدوث عطل في آلالة أو تعرضها للضرر.
عازفو عود مشهورون
اشتهرت العديد من الشخصيات في فن العزف على آلة العود، ومن هذه الشخصيات:
فريد الأطرش
ولد فريد الأطرش في سوريا لعائلة درزية من الأمراء، وعاش في الفترة الواقعة بين عامي (1915-1974م)، ثم انتقلت عائلته إلى مصر في عشرينيات القرن العشرين، ودرس فريد في مدرسة الموسيقى على يد الأسطورة رياض السنباطي، واشتهرت عائلة فريد بالفن الموسيقي، إذ كانت والدة فريد الأطرش مغنية وتعزف على العود، وكانت أخته أسمهان مغنية مشهورة.
محمد القصبجي
عاش محمد القصبجي في الفترة الواقعة بين عامي (1892-1966م) وكان والده مدرساً لعازفي العود، ومؤلفاً للأغاني في ذلك الوقت، ما جعل ابنه محمد محباً للعود. كان محمد القصجي ملحناً موسيقياً، وعازفاً للعود، وأحد أفضل خمسة ملحنين رائدين في مصر في القرن العشرين، حيث كان يسمى (سيد العود)؛ نظراً لقدراته ومهاراته العظيمة في العزف.
رياض السنباطي
ولد رياض السنباطي في مدينة دمياط في الفترة الواقعة بين عامي (1906-1981م)، ثم انتقل مع عائلته إلى المنصورة في وقت لاحق، كان والد رياض عازفاً للعود ومغنياً مشهوراً، وكان يصطحب معه ابنه رياض في الحفلات؛ حتى يتمكن من تعلم الغناء بشكل جيد، ثم تعلم رياض فن العزف على العود على يد مدرب يدعى محمد شعبان.
منير بشير
اشتهر منير بشير الذي عاش في الفترة الواقعة بين عامي (1930-1997م) بمساهمته الثقافية واختصاصه في نظام المقامات العربي، وكان من أعظم من عزف الموسيقى على مستوى الشرق الأوسط في القرن العشرين، واشتهر بأسلوبه المتميز الذي اعتمد على الارتجال في العزف المستوحى من خبرته في فن النغمات الموسيقية، ومعرفته في الموسيقى الأوروبية والهندية.
نصير شمّه
ولد نصير شمّه العازف والمؤلف الموسيقي عام 1963م في قرية قرب نهر دجلة في العراق، وبدأ تعلم الموسيقى في عامه الثاني عشر في بغداد، وظهر في حفل موسيقي أمام العديد من الموسيقيين العراقيين المعروفين في عامه الثاني والعشرين ليعزف مؤلفاته التي كتبها، ويعد من أشهر عازفي العود في الجيل الجديد.