تمهيد عن تزايد حرارة كوكب الأرض
أدت التطورات الصناعية المتسارعة إلى ارتفاع ملحوظ في درجة حرارة الأرض. وفقًا لتقديرات وكالة ناسا، تجاوزت الزيادة 0.9 درجة مئوية فوق المعدل الطبيعي. يؤكد العلماء أن السبب الرئيسي لهذا الارتفاع هو تزايد انبعاثات الغازات الدفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروس، والتي تعمل على حبس الحرارة في الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى تغيرات مناخية غير مسبوقة.
شهدت هذه الغازات ارتفاعًا ملحوظًا منذ أواخر القرن التاسع عشر نتيجة للاستخدام المكثف للوقود الأحفوري في مختلف القطاعات مثل الصناعة والنقل وإنتاج الطاقة.
وقد حذرت اللجنة الدولية للتغيرات المناخية التابعة للأمم المتحدة (IPCC) في تقرير لها عام 2018 من العواقب الوخيمة في حال تجاوز ارتفاع درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية، بما في ذلك ارتفاع مستوى سطح البحر، وتغيرات مناخية قاسية، وفقدان بعض الأنظمة البيئية بشكل كامل. لذلك، أكدت اللجنة على ضرورة إيجاد حلول عالمية فعالة وسريعة للحد من مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو بنسبة 45% بحلول عام 2030.
جهود الدول لمكافحة الظاهرة
تلعب الحكومات دوراً محورياً في تقليل انبعاثات الكربون من خلال إصدار القوانين والتشريعات الفعالة، مثل فرض ضرائب على الكربون على المصانع والمؤسسات المعنية. وقد شهد العالم مبادرات دولية مهمة تهدف إلى الحد من هذه الظاهرة، ومن أبرزها:
جائزة نوبل للسلام و دورها
تساهم جائزة نوبل للسلام (Nobel Peace Prize) في الحد من ظاهرة تزايد حرارة الأرض من خلال تشجيع الأفراد على نشر المعرفة المتعلقة بمشكلة التغير المناخي وعلاقة الإنسان بها، والتشجيع على وضع حلول من أجل الحد من تلك الظاهرة، وفي عام 2007م استحقَّ كل من اللجنة الدولية للتغيرات المناخية التابعة للأمم المتحدة (IPCC) ونائب رئيس الولايات المتحدة سابقاً ألبرت أرنولد غور (Albert Arnold Gore) جائزة نوبل للسلام مناصفة بسبب إنجازاتهما في ذلك المجال.
مؤتمر قمة العمل المناخي
عُقد مؤتمر قمة العمل المناخي (Climate Action Summit) في 23 سبتمبر 2019 بهدف تعزيز التعاون بين الأطراف المعنية لإيجاد إجراءات سريعة وفعالة لمواجهة مشكلة التغير المناخي، وذلك من خلال اجتماع مع قادة حكومات العالم، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني. تم وضع مجموعة من الأسس والحلول المشتركة المتعلقة بالصناعات الثقيلة والطاقة وغيرها من القطاعات التي تلعب دورًا بارزًا في حل هذه المشكلة، وتم الاتفاق على عقد قمة أخرى في عام 2020 لتجديد الالتزامات.
بروتوكول كيوتو
بدأت العديد من الدول مفاوضات في عام 1995 لمحاولة إيجاد حلول لظاهرة التغيّر المناخي، وبعد عامين من ذلك تمّ عقد اتفاقية كيوتو (Kyoto Protocol) التي تضمّ مجموعة من الدول الملزمة قانونيّاً بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة حسب أسس وأهداف متفق عليها، وقد تمّ تقسيم الاتفاقية إلى فترتين: الفترة الأولى بدأت عام 2008م واستمرت حتى عام 2012م، أمّا الفترة الثانية بدأت عام 2013م ومن المفترض انتهاؤها مع نهاية عام 2020م، وحالياً تّضم الاتفاقية 192 طرفاً.
اتفاق باريس
تم عقد مؤتمر في باريس عام 2015، ومن خلال اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي (United Nations Framework Convention on Climate Change) اختصاراً (UNFCCC) تمّ التوصّل إلى اتفاق تاريخي- اتفاقية باريس (Paris Agreement)- يهدف إلى تكثيف وتسريع الإجراءات التي تساعد على مكافحة التغيّر المناخي وتخفيض نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو، وقد تميّزت اتفاقية باريس عن غيرها من الأنشطة بتوحيد جميع الدول بما فيها الدول النامية في قضية التغيّر المناخي وإيجاد حلول مشتركة لمكافحتها، كما تهدف الاتفاقية بشكل أساسيّ إلى تعزيز استجابة جميع الدول لمواجهة خطر التغيّر المناخي من خلال محاولة منع ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض إلى أكثر من 1.5° درجة مئوية فوق معدّلها الطبيعي.
مسؤوليتنا الشخصية
يمكن لكل فرد المساهمة في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة من خلال اتباع ممارسات بسيطة في حياته اليومية. تشمل هذه الممارسات:
- إعادة التدوير: تساعد عملية إعادة التدوير على الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، إذ يُمكن توفير حوالي 1089 كغ من غاز ثاني أكسيد الكربون سنوياً في حال تمّ إعادة تدوير نصف نفايات المنزل.
- التقليل من استخدام مكيّف الهواء: يُمكن التقليل من استخدام المكيّفات من خلال إضافة مواد عازلة في جدران المباني، وعزل الأبواب والنوافذ، ما يساهم في الحفاظ على درجة الحرارة معتدلة داخل المبنى في جميع الأوقات، ويُقلل من كمية الطاقة اللازمة لتدفئة وتبريد المبنى، وبالتالي خفض تكاليف التدفئة إلى 25%، كما يُمكن استخدام منظِّمات حرارة مبرمجة على المكيّفات توفّر حوالي 907 كغ من ثاني أكسيد الكربون سنوياً.
- استخدام المصابيح الموفرة للطاقة: يساعد استبدال المصابيح الموفِّرة للطاقة كمصابيح الفلورسنت بالمصابيح العادية المتوهجة على توفير الطاقة، إذ تستهلك مصابيح الفلورسنت مقداراً أقل من الطاقة المُستهلَكة من المصابيح المتوهجة بمقدار الثلثين، كما أنّها تصدر حرارة أقل بنسبة 70% من المصابيح العادية المتوجهة، وتدوم لفترة تصل إلى 10 أضعافالمصابيحالعادية المتوجهة، وفي حال تمَّ استبدال مصابيح الفلورسنت بالمصابيح العادية في كلّ منزل سيتمّ التخلّص من حوالي 40.8 مليار كغ من الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وهذا يُعادل التخلُّص من 7.5 مليون سيارة من الشوارع.
- استخدام منتجات موفّرة للطاقة:يساعد استخدام الأجهزة الكهربائية المنزلية الموفّرة للطاقة على التقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة.
- استخدام كميات أقل من الماء الساخن:يتمّ ذلك من خلال عدد من الإجراءات كضبط سخان المياه الكهربائي على درجة حرارة معينة وتثبيته على تلك الدرجة، واستخدام رؤوس الدوش ذات التدفّق القليل ممّا يساعد على توفير المياه الساخنة، وتساهم تلك الممارسات في توفير ما يقارب 159 كغ من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، ومن جهة أخرى فإنّ استخدام المياه الدافئة أو الباردة في الغسيل بدلاً من المياه الساخنة يُقلل من الحاجة إلى تسخين المياه، وبالتالي توفير الطاقة اللازمة لتسخينها، وتساهم هذه الممارسة في الحد من انبعاث حوالي 227 كغ من ثاني أكسيد الكربون سنوياً في حال تمّ تطبيقها في معظم المنازل.
- إطفاء الأجهزة غير المُستخدَمة:يساهم إطفاء الأجهزة الكهربائية والإلكترونية غير المُستخدَمة كالحاسوب، والتلفاز، والمكيّف، وإطفاء المصابيح في الغرف غير المستعملة، وإغلاق صنبور الماء أثناء تنظيف الأسنان، واستخدام الكمية المناسبة من الماء أثناء غسيل السيارة في توفير الطاقة الكهربائية، وبالتالي الحد من ظاهرة الاحتباس الحراريّ.
- تشجيع الآخرين على الحفاظ على الطاقة:ويتمّ ذلك من خلال تبادل المعلومات المتعلّقة بهذا المجال -كعملية إعادة التدوير والطرق المناسبة في توفير الطاقة- مع كلّ من الجيران، والأقارب، والأصدقاء، كما يُمكن تبادل المعلومات مع الزملاء في العمل، وتشجيع الموظفين على اتّباع الطرق المناسبة لتوفير الطاقة.
- التقليل من استخدام المركبات:يؤدي التقليل من قيادة المركبات والاستعانة بركوب الدراجات الهوائية والمشي إلى تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، وتوفير البنزين في نفس الوقت،[٣]ومن المهم التأكد من كفاءة المركبة وفعالية الإطارات قبل القيادة؛ لأنّ ذلك يساعد على استهلاك كمية أقل من البنزين لقطع نفس المسافة، كما أنّ توفير 3.78 لتر من الوقود يساهم في تقليل حوالي 9 كغ من ثاني أكسيد الكربون سنوياً.
- تجنُّب استخدام المنتجات ذات الكثير من مواد التغليف والتعبئة:يؤدي تقليل كمية النفايات بنسبة 10% إلى توفير حوالي 544 كغ من ثاني أكسيد الكربون.
- استخدام مُنظّمات الحرارة:إنّ تثبيت مُنظّمات الحرارة على المكيفات على درجة معينة معينة يُساعد على توفير 907 كغ من ثاني أكسيد الكربون سنوياً.
- التزام الشركات بالمصادر المستدامة:تستطيع الشركات المساهمة في الحد من انبعاث الغازات الدفيئة عن طريق التزامها بالمصادر المستدامة، مثلاّ تُعدّ شركة إيكيا مصدر إلهام لكيفية الاستفادة من المصادر المستدامة في صنع منتجاتها الخشبية، وتُعدّ شركة أبل مثالاً آخر على كيفية الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة.[٢]
- زراعة الأشجار:تُعدّ عملية زراعة الأشجار من الإجراءات المهمة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراريّ، إذ إنّها تُطلق غاز الأكسجين إلى الغلاف الجوي وتمتص غاز ثاني أكسيد الكربون، وتستطيع شجرة واحدة امتصاص طن واحد تقريباً من ثاني أكسيد الكربون خلال فترة حياتها،[٣]لذا من المهم الحد من عملية إزالة الغابات والاهتمام بشكل كبير في عملية الزراعة وجعلها أكثر كفاءة.[٤]
- الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة:يساهم استخدام الطاقة المتجددة كطاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة الحرارية، وغيرها في التقليل من التلوث الجوي، بالإضافة إلى تكلفتها المناسبة، وقدرتها على تلبية احتياجات العالم من الطاقة مع الحفاظ على البيئة.[٥]
إنّ اتّباع هذه الممارسات سيؤدي إلى الحد من استخدام الطاقة، وهذا بدوره يؤدي إلى التقليل من استهلاك الوقود الأحفوري الذي ينتج عن احتراقه انبعاثات الغازات الدفيئة، وبالتالي المساهمة في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراريّ.
معالجة مشكلة التغير المناخي
يوجد عدد من العوامل التي تساهم في زيادة نسبة انبعاثات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وبالتالي تغير المناخ، منها: إزالة الغابات، واستخدام الأراضي الزراعية بطرق مختلفة، والأنشطة الزراعية المتنوعة، واستخراج الوقود الأحفوري واحتراقه، وبشكل عام يوجد طريقتان أساسيتان تساهمان في حل مشكلة التغيّر المناخي، وهما:
- الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة بأنواعها كغاز الميثان، وثاني أكسيد الكربون.
- تنظيف الغلاف الجوي من غاز ثاني أكسيد الكربون من خلال السماح للأنظمة البيئية الطبيعية المختلفة كالغابات والمحيطات بأداء عملها في امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون، فتلك النظم توصف بأنَها بالوعات أو مُصرِّفات الكربون (Carbon Sinks)، وذلك من خلال منع عمليات إزالة الغابات، والحد من تدمير موائل الحيوانات سواء في المحيطات أو غيرها من النظم، وتشجيع زراعة الأشجار دائمة الخضرة.
ولمعرفة المزيد حول ظاهرة الاحتباس الحراري يمكنك قراءة مقالما هو الاحتباس الحراري.