مقدمة عن غياب العدل
إن غياب العدل يمثل اعتداءً صارخًا على الحقوق، ويُعدُّ من أسوأ الآفات التي تُصيب المجتمعات، مُخلِّفًا وراءه آثارًا وخيمةً على جميع المستويات. إنه خرقٌ سافرٌ لقيم المساواة والإنصاف التي تسعى إليها كل الحضارات.
توضيح مفهوم غياب العدل
غياب العدل هو تجاوز للحدود وتعدٍّ على حقوق الآخرين، وهو وضع الأمور في غير نصابها الصحيح. إنه سلوك مشين تنفر منه الفطرة السليمة. وقد نبّهت جميع الشرائع السماوية، وفي مقدمتها الإسلام، إلى خطورة غياب العدل، وجعلته من كبائر الذنوب. وقد ورد في الحديث القدسي:(يا عبادي إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّمًا فلا تظَّالموا)[١].
وقد قال علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه:
لا تظلمنَّ إذا ما كنت مقتدراً
فالظلم آخره يأتيك بالندمِ
نامت عيونك والمظلوم منتبهٌ
يدعو عليك وعين الله لم تنمِ
فالعاقبة وخيمة لمن يرتكب غياب العدل، والعذاب شديد في الدنيا والآخرة.
صور مختلفة لغياب العدل
يتجلى غياب العدل في صور شتى، منها غياب عدل الإنسان على نفسه عندما يبتعد عن توحيد الله ويشرك به، ويرتكب الذنوب والمعاصي التي تُهلكه. ومنها غياب عدل الإنسان على غيره من البشر من خلال الغيبة والنميمة والظن السيئ، أو من خلال سلب حقوقهم، واتهامهم بالباطل، وأكل أموالهم، والاعتداء على أعراضهم.
أما غياب عدل الإنسان على أسرته فيتمثل في التمييز بين الأبناء، وتفضيل أحدهم على الآخر، وعدم تقدير الزوجة، وإنكار ما تبذله من جهد، وكذلك عدم تلبية احتياجات أسرته رغم قدرته على ذلك. وقد يكون الإنسان ظالمًا لمجتمعه من خلال ارتكاب الأفعال السيئة التي تضر بمصالح المجتمع؛ كالتجسس، والتعاون مع الأعداء، وبيع المعلومات. وقد يمتد غياب العدل ليشمل الحيوانات أيضًا؛ وذلك بإزهاق أرواحها دون سبب، أو الاعتداء عليها بالخنق والضرب وغيرها من الأفعال اللاإنسانية.
تداعيات غياب العدل
أورد ابن خلدون في مقدمته فصلًا يوضح أن غياب العدل ينذر بخراب العمران، وذلك لبيان الآثار المدمرة التي يخلفها غياب العدل على الفرد والمجتمع. فغياب العدل خسارة في الدنيا والآخرة، وسبب لاستحقاق غضب الله والطرد من رحمته، وهو سبب لنشر العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع، وإشاعة الفساد فيه. فالمجتمع الذي يسوده غياب العدل يستحق غضب الله ونزع البركة منه، وذلك لما يظهر فيه من كراهية وحقد وآفات أخرى؛ كالثأر والسرقة.
وهذا الأمر يؤدي إلى تضييع الطاقات وتبديدها، حيث يقف غياب العدل حائلًا قويًا أمام تقدم المجتمع وازدهاره، وأمنه واستقراره، بدلًا من توجيه الطاقات لمواكبة التطور وتنمية القدرات.
خلاصة القول
ما أجمل أن يكون الإنسان عادلاً مع نفسه والآخرين، ملتزمًا بحدود الله، ساعيًا للخير والسلام، ليحظى بالنجاة في الدنيا والآخرة.
المراجع
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 2577، صحيح.