مقدمة
الحمد لله، نستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
توصية بتقوى الله
أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، امتثالًا لقوله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ
[آل عمران: 102].
وأحثكم على الالتزام بأوامره، والثبات على طاعته، واجتناب نواهيه والابتعاد عن المحرمات. فالتقوى هي خير زادٍ يتزود به العبد في دنياه وآخرته.
القسم الأول
أيها الإخوة، إن الاعتقاد بالقضاء والقدر جزءٌ أساسي من عقيدة المسلم، فكلّ مؤمنٍ مطالبٌ بالإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره. من آمن بالله ورسوله، وتيقن بحكمة الله وعدله، يعلم أن كل ما يقدره الله للإنسان هو في حقيقته خيرٌ له، وإن ظهر في ظاهره خلاف ذلك. لذلك، يجب على المسلم أن يرضى بما قسمه الله له، وأن يسلم أمره كله لله تسليمًا كاملاً، مع الأخذ بالأسباب المشروعة.
إن المؤمن الحق يفرح بفضل الله ونعمته، ويشكر الله على ذلك. وإذا أصابه ما يكره، صبر واحتسب الأجر عند الله تعالى. فالسراء والضراء كلاهما قدرٌ مكتوبٌ، ولا يجوز للمسلم أن يجزع أو يتزعزع إيمانه إذا أصابه مكروه؛ لأن الأمر كله بيد الله، وهو الحكيم العليم. وقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة الكثير من الآيات والأحاديث التي تحث على الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره، وتوضح أهميته في حياة المسلم.
أحبتي في الله، لا مهرب من قضاء الله وقدره، فهما أمران واقعان لا محالة، ولا يمكن لأي قوة في الأرض أن ترد قضاء الله إلا الدعاء. لذلك، ينبغي للمسلم أن يكثر من الدعاء، وأن يسأل الله دائمًا أن يجعل قضاءه وقدره خيرًا له ولأهله وذريته.
من الطبيعي أن يواجه الإنسان في حياته بعض الأقدار التي لا تروقه ولا يحبها. في هذه الحالة، يجب عليه أن يستسلم لمشيئة الله، ويرضى بقضائه، ويصبر على بلائه. فالمصائب والأمراض وكل ما يكرهه الإنسان هي أقدارٌ يكتب الله له عليها الأجر والثواب إذا صبر واحتسب. فالقضاء والقدر هما امتحان لصبر الإنسان، واختبار لإيمانه ويقينه بالله، وقوة استسلامه لحكمه وقضائه.
للقضاء والقدر أركانٌ ومراتب، أولها العلم، أي أن الله تعالى يعلم كل شيء قبل وقوعه. وثانيها الكتابة، بمعنى أن الله تعالى كتب كل شيء في اللوح المحفوظ. وثالثها المشيئة، وهي أن لا يحدث شيء في الكون إلا بمشيئة الله وإرادته. ورابعها الخلق والإيجاد، أي أن الله تعالى هو الخالق لكل شيء، وهو الذي يقدر على وقوع القضاء وتغييره.
القسم الثاني
أيها الأحبة في الله، يجب على كل مسلم أن يدرك أن الإيمان بالقضاء والقدر له أهمية عظيمة في حياته. هذا الإيمان يؤثر بشكل كبير على طريقة تعامله مع الأحداث والأقدار التي تواجهه، وعلى ردود أفعاله تجاهها، وعلى مدى تقبله لما يحدث له من أمور مختلفة. فمن الضروري أن يعي المسلم أن الإيمان بالقضاء والقدر هو طريق النجاة والفوز برضا الله تعالى. فالذي يصبر على البلاء ينال أجرًا عظيمًا، لأنه صبر واحتسب على قسوة القدر، أما من يسخط ويجزع، فإنه لا يزيد نفسه إلا همًا وغمًا. فالقضاء والقدر أمر نافذ لا مرد له، وحال المؤمن يتقلب بين الرضا والصبر والشكر، وكل ذلك خير له. ومن آمن بالقضاء والقدر، وأحسن الظن بالله، فإن الله تعالى سيعطيه الخير الكثير.
الدعاء
اللهم آتنا في الدُنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار.
اللهم اغفر ذُنوبنا، واستر عُيوبنا، وتقبل عباداتنا، وأجرنا من خزي الدُنيا ومن عذاب الآخرة.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا.
عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وأقم الصلاة.
المراجع
- سورة آل عمران، آية:102
- الألوكة
- صيد الفوائد
- إسلام ويب