تبيين معنى الإجحاف وموقفه في الشريعة
الإجحاف يعني تعدي الحدود ووضع الأمور في غير مكانها الصحيح، وهو يشمل التعدي على حقوق الآخرين، سواء كانت حقوقًا مادية أو معنوية. يشمل ذلك الاعتداء على النفس، العرض، أو المال، وكل ما للإنسان من حقوق مصونة. إن هذا السلوك ينبع في الغالب من ظلمة في القلب، تجعل الشخص غير مبالٍ بأفعاله وتجاوزاته، ولا يكترث لأكل حقوق الآخرين، متجاهلًا النتائج الوخيمة للإجحاف.
إن الإجحاف محرم بالإجماع ولا يجيزه أحد من العلماء، فهو يمثل وضع الشيء في غير موضعه الصحيح، وعواقبه وخيمة على المرتكب.
وقد جاء في الحديث القدسي: (يا عبادي إني قد حرمت الظلم على نفسي، وجعلته محرما بينكم فلا تظَالموا).
أصناف الإجحاف
تتنوع أصناف الإجحاف التي يمكن أن يرتكبها الإنسان، وأعظمها هو الشرك بالله.
وقد قال تعالى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
ويمكن أن يقع الإجحاف من الإنسان في حق نفسه أو في حق الآخرين. فيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:
الإجحاف بالنفس: ويكون ذلك بارتكاب المعاصي والذنوب. قال تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ). وأعظم الإجحاف بالنفس هو إيقاعها في الشرك والكفر.
قتل النفس التي حرم الله: وإراقة الدماء بغير حق من أعظم الذنوب، وأكل مال اليتيم، فكأنما يأكل نارًا في بطنه. وأكل أموال الناس بالباطل عمومًا محرم وجرم كبير، مثل عدم الوفاء بالديون، أو الاستيلاء على الأراضي بغير وجه حق، أو الرشوة، وغير ذلك من طرق أكل أموال الناس بالباطل.
الإفساد بين الزوجين: ويكون ذلك بمختلف الطرق، سواء بإفساد الزوجة على زوجها أو العكس، ويهدف إلى تفكيك الأسرة وهدم بنيانها.
التلاعب في البيع والشراء: مثل الحلف كذبًا لترويج السلع، أو الغش في التجارة، وعدم الدقة والأمانة فيها، ونقص المكاييل والموازين، فكل ذلك من صور الإجحاف.
الإجحاف من المعلم تجاه طلابه: كالتعدي عليهم بالشتم أو التجريح أو الضرب، والتقصير في تعليمهم وكتم العلم عنهم.
التقصير في إنجاز معاملات الناس: وعدم إعطاء العمال حقوقهم المالية كاملة، وكذلك القذف والحديث في أعراض الناس، وعدم العدل بين الزوجات.
صور أخرى من الإجحاف: الإجحاف بالجار، والإجحاف بالزوجة، وإيذاء المسلمين في الطرقات، وسبابهم وشتمهم، وعدم العدل بين الأولاد، والإجحاف بالوالدين وعقوقهم.
مآل المعتدي وعقوبته
إن عاقبة الإجحاف وخيمة، والظالم سينتقم الله منه في الدنيا والآخرة. الباغي يرى مصرعه في الدنيا قبل الآخرة، وحتى لو أن جبلًا إجحف بجبل آخر، لانتقم الله منه وجعله دكًا. أما المظلوم، فإن صبر فله أجر عظيم، وسوف ينصره الله ويؤيده بالحق، ويقتص له مظلمته. وإن عفا عن الظالم فجزاؤه عظيم أيضًا.
يقول تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ).
المصادر والمراجع
- أبعبد القادر شيبة الحمد (1982)، فقه الإسلام شرح بلوغ المرام (الطبعة 1)، المدينة المنورة: مطابع الرشيد، صفحة 228 – 229، جزء 10. بتصرّف.
- حسين بن محمد المهدي (2009)، صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال، صفحة 639، جزء 1. بتصرّف.
- رواه البخاري، في صحيح الأدب المفرد، عن أبو ذر الغفاري ، الصفحة أو الرقم:377، صححه الألباني.
- عبد الملك بن محمد القاسم، هؤلاء هم خصماؤك غدا، صفحة 9 – 16. بتصرّف.
- حسين بن عودة العوايشة، الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة (الطبعة 1)، الأردن: المكتبة الإسلامية، صفحة 294، جزء 7. بتصرّف.