مقارنة بين كفالة اليتيم والتبني

تعريف كفالة اليتيم والتبني والتمييز بينهما. تعريف اليتيم، فضائل كفالة الأيتام، وأحكام التبني في الإسلام.

مقدمة

هناك فرق جوهري بين احتضان اليتيم وبين التبني من حيث المفهوم والآثار الشرعية المترتبة على كل منهما. احتضان اليتيم هو رعايته والاهتمام به دون نسبته إلى العائلة الحاضنة، بينما التبني يعني إدخال الطفل في العائلة كابن شرعي له كافة الحقوق والواجبات. هذا المقال سيوضح هذه الفروقات وأحكامها في الشريعة الإسلامية.

مفهوم رعاية اليتيم

اليتيم هو الطفل الذي فقد والده قبل بلوغه سن الرشد. وقد أولى الإسلام اهتماماً بالغاً بالأيتام، وحث على الإحسان إليهم والعناية بهم. الله عز وجل يحثنا في القرآن الكريم على معاملة اليتيم بالرفق واللين، كما في قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾. (سورة الضحى، آية: 9).

وفي آية أخرى، يوضح الله تعالى أهمية التعامل الحسن مع اليتيم، قائلاً: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. (سورة البقرة، آية: 220). إن العناية باليتيم تساهم في تلطيف القلب وإزالة القسوة منه، كما ورد في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أنَّ رجلًا شَكَى إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قَسوةَ قلبِهِ، فقالَ: أطعِمِ المِسكينَ وامسَحْ رأسَ اليتيمِ).

يهدف الاهتمام باليتيم إلى تلبية احتياجاته المادية والمعنوية، ودمجه في المجتمع ليصبح فرداً صالحاً ومفيداً. وقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بحقوق الضعفاء، بمن فيهم الأيتام، حيث قال: (مَن تَرَكَ مالًا فَلِوَرَثَتِهِ، ومَن تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنا). رواه البخاري. إهمال اليتيم وعدم توفير الرعاية اللازمة له قد يؤدي إلى انعزاله وشعوره بالمرارة، مما يؤثر سلباً على سلوكه وتفاعله مع المجتمع. لكل من يكفل يتيماً أجراً عظيماً عند الله.

تعريف التبني

التبني هو أن ينسب الرجل طفلاً ليس من صلبه إليه، ويعامله كأحد أبنائه، بما في ذلك الحق في الميراث. كان هذا الأمر شائعاً في الجاهلية، حيث كان العرب يتبنون الأبناء وينسبونهم إليهم. ولكن الإسلام أبطل هذه العادة، كما قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ﴾ (سورة الأحزاب، آية: 4).

هناك فرق كبير بين التبني ورعاية اليتيم. التبني يتضمن تغيير النسب، وهو أمر محرم في الإسلام، بينما رعاية اليتيم هي إحسان إليه دون تغيير نسبه. التبني قد يؤدي إلى مشاكل اجتماعية ونفسية، مثل نشوب الخلافات بين الطفل المتبنى وأبناء العائلة الأصليين، بالإضافة إلى اختلاط الأنساب. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التبني، فقال: (ليسَ مِن رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أبِيهِ -وهو يَعْلَمُهُ- إلَّا كَفَرَ، ومَنِ ادَّعَى قَوْمًا ليسَ له فيهم، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ). رواه البخاري. أما كفالة اليتيم فهي عمل نبيل يشجع عليه الإسلام، حيث توفر الرعاية والحماية لليتيم دون تغيير نسبه أو وضعه العائلي.

في بداية الدعوة، تبنى الرسول صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة، وكان يُدعى زيد بن محمد. وعندما جاء والده وعمه لزيارته، خيره الرسول بين البقاء معه أو العودة معهما، فاختار زيد البقاء مع النبي. وبعد نزول الوحي، أبطل الله تعالى التبني، وأنزل قوله تعالى: ﴿مَّا جَعَلَ اللَّـهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّـهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ (سورة الأحزاب، آية: 4).

التبني يعد اعتداء على حق الطفل في معرفة نسبه الحقيقي. لذلك، أمر الله تعالى بنسبة الأبناء إلى آبائهم الحقيقيين، تحقيقاً للعدل، كما قال تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّـهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَـكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (سورة الأحزاب، آية: 5).

الرأي الشرعي في التبني

عندما بُعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قام بإلغاء العديد من العادات الجاهلية، ومن بينها عادة التبني. وقد نزلت آيات قرآنية تحرم هذه العادة، وتؤكد على عدم جواز نسبة أي طفل إلى غير أبيه الحقيقي. قال تعالى: ﴿مَّا جَعَلَ اللَّـهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّـهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ* ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّـهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَـكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (سورة الأحزاب، آية: 4-5).

لا يجوز التبني حتى لو كانت النية حسنة، مثل الحرص على تربية الطفل على الإسلام. ولكن يجوز كفالته بالمال والعطف عليه ورعايته. وهناك أدلة من السنة النبوية تؤكد على تحريم التبني، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنِ ادَّعَى إلى غيرِ أبِيهِ، وهو يَعْلَمُ فَالْجَنَّةُ عليه حَرَامٌ). رواه البخاري. تحريم التبني يعود إلى حكمة إلهية تهدف إلى تحقيق الصلاح والخير للمجتمع. التبني قد يؤدي إلى تجاوزات شرعية، مثل إلحاق المتبنى بالميراث دون وجه حق، أو كشف عورات النساء على غير المحارم.

أهمية كفالة الأيتام

كفالة اليتيم هي سبب لدخول الجنة، وهي الغاية التي يسعى إليها كل مسلم. وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم كافل اليتيم بمنزلة عظيمة في الجنة، وبالقرب منه صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (كافِلُ اليَتِيمِ له أوْ لِغَيْرِهِ، أنا وهو كَهاتَيْنِ في الجَنَّةِ، وأَشارَ مالِكٌ بالسَّبَّابَةِ والْوُسْطَى). رواه مسلم. لكافل اليتيم ثواب عظيم كأجر المجاهد في سبيل الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (السَّاعِي علَى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللَّهِ). رواه البخاري. والمسكين هنا يشمل اليتيم.

الإحسان إلى اليتيم هو من أخلاق الأنبياء والصالحين. وقد حرص الخضر وموسى عليهما السلام على حفظ حق الأيتام بإصلاح الجدار لهم، كما قال تعالى: ﴿وَأَمَّا الجِدارُ فَكانَ لِغُلامَينِ يَتيمَينِ فِي المَدينَةِ وَكانَ تَحتَهُ كَنزٌ لَهُما وَكانَ أَبوهُما صالِحًا فَأَرادَ رَبُّكَ أَن يَبلُغا أَشُدَّهُما وَيَستَخرِجا كَنزَهُما رَحمَةً مِن رَبِّكَ وَما فَعَلتُهُ عَن أَمري ذلِكَ تَأويلُ ما لَم تَسطِع عَلَيهِ صَبرًا﴾ (سورة الكهف، آية: 82). وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم البيت الذي يحسن فيه إلى اليتيم بأنه خير البيوت، والبيت الذي يساء فيه إلى اليتيم بأنه شر البيوت.

المصادر

  • القرآن الكريم
  • صحيح البخاري
  • صحيح مسلم
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

مقارنة بين التباين، الانحراف القياسي، والخطأ القياسي

المقال التالي

تمييز التحقيق الأولي عن التحقيق الختامي

مقالات مشابهة