مقارنة بين صحيح البخاري وصحيح مسلم

تحليل أوجه التشابه والاختلاف بين كتابي الحديث النبوي الشريف: صحيح البخاري وصحيح مسلم. يشمل المقال أسباب التأليف، والمنهجية المتبعة، وشروط الرواة، بالإضافة إلى آراء العلماء حول أفضلية أحدهما على الآخر.

مقدمة

يعتبر كتابا صحيح البخاري وصحيح مسلم من أهم المصادر الحديثية في الإسلام، ويحظيان بمكانة مرموقة لدى العلماء والمسلمين على مر العصور. ورغم اتفاقهما في كونهما يهدفان إلى جمع الأحاديث الصحيحة، إلا أنهما يختلفان في بعض الجوانب المتعلقة بأسباب التأليف، والمنهجية المتبعة، وشروط قبول الرواة. يهدف هذا المقال إلى استعراض هذه الاختلافات بشكل مفصل، مع إبراز آراء العلماء حول أفضلية أحدهما على الآخر.

دوافع التأليف

لكل من الإمام البخاري والإمام مسلم دوافع خاصة قادتهما إلى تأليف صحيحيهما. فيما يلي عرض موجز لأهم هذه الدوافع:

أسباب تأليف صحيح البخاري

ذكر الإمام ابن حجر في شرحه لصحيح البخاري ثلاثة أسباب رئيسية دفعت الإمام البخاري إلى تأليف كتابه:

  • الرغبة في جمع الأحاديث الصحيحة التي لا يشكك أحد في صحتها.
  • استجابة لنصيحة شيخه إسحاق بن راهويه الذي قال: “لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-“، قال البخاري: فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصّحيح.
  • رؤيا رآها للنبي -عليه الصلاة والسلام- ومعه مروحة يذب بها عنه، ففسرت له أنه يذب الكذب عنه، فألف كتابه الصحيح.

أسباب تأليف صحيح مسلم

ذكر الإمام مسلم في مقدمة كتابه الصحيح الأسباب التالية التي دعته إلى تأليف كتابه:

  • إجابة لطلب أحد تلاميذه.
  • انتشار المؤلفات التي تحتوي على الأحاديث الضعيفة والمنكرة والواهية.
  • الاختصار وتجنب الإكثار من التكرار، مع التركيز على ما فيه المنفعة والفائدة.

اختلافات في المنهجية

توجد عدة اختلافات جوهرية في المنهجية التي اتبعها كل من الإمام البخاري والإمام مسلم في تأليف صحيحيهما، ومن أبرزها:

مقدمة صحيح مسلم

قام الإمام مسلم بوضع مقدمة لكتابه الصحيح، بين فيها الأسباب التي دعته لجمعه، بالإضافة إلى منهجه فيه، وبين في مقدمته عدم الحاجة إلى تكرار الحديث إلا إن دعت الحاجة في بعض المواضع؛ كالحاجة إلى الزيادة في بيان المعنى، وذكر وجوب الرواية عن الثقة، وترك ممن وصف بالكذب، والتحذير من الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وذكر الأدلة في هذا الباب، وختم مقدمته بالحديث عن صحة الحديث المعنعن، وشروط العلماء فيه؛ وهو معاصرة الراوي لمن روى عنه دون اشتراط اللقاء بينهما. بينما لم يضع الإمام البخاري مقدمة لصحيحه.

عدد الكتب والأحاديث

يختلف عدد الكتب والأحاديث في كل من الصحيحين، بالإضافة إلى وجود التكرار في بعض الأحاديث. فصحيح البخاري واسمه “الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وسننه وأيامه” يبلغ عدد الأحاديث فيه سبعة آلاف ومئتين وخمسة وسبعين حديثاً مع المكرر منها، وأربعة آلاف بدون المكرر، وعدد الكتب فيه سبعة وتسعين كتاباً. بينما يبلغ عدد الكتب في صحيح مسلم أربعة وخمسين كتاباً، وعدد الأحاديث فيه بدون المكرر نحو أربعة آلاف حديث، ومع المكرر يبلغ عددها سبعة آلاف ومئتين وخمسة وسبعين حديثاً.

تبويب صحيح البخاري

قام الإمام البخاري بتقسيم صحيحه إلى عدة كتب، ابتدأه بكتاب بدء الوحي، ثم الإيمان، واختتمه بكتاب التوحيد، وقام بتقسيم الكتاب إلى عدة أبواب، وذكر عدداً من الأحاديث تحت كل باب، وذكر فيه الأحاديث الصحيحة المتصلة والمسندة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-. بوب البخاري كتابه على أبواب العلم، والفقه، والعقيدة، والتفسير، والآداب، وقد بدأه بكتاب بدء الوحي؛ لأن الوحي هو أصل الخيرات، وبه تقوم الشرائع والرسالات، ومنه تعرف العلوم. بينما قام الإمام مسلم بتقسيم كتابه إلى أبواب، وذكر ما يتعلق به من أحاديث في موضع واحد بأسانيدها التي ارتضاها، ولكنه لم يضع تراجم لهذه الأبواب؛ مخافة الزيادة في الكتاب، وليشحذ بها ذهن القارئ في استنباطه للترجمة.

معايير قبول الرواة

تختلف الشروط التي وضعها كل من الإمام البخاري والإمام مسلم لقبول الرواة في صحيحيهما. فيما يلي توضيح لأهم هذه الشروط:

شروط البخاري

اشترط البخاري في صحيحه أن يكون الحديث مخرجاً ومروياً في جميع إسناده من الثقات إلى الصحابة من غير اختلاف بين الثقات، وأن لا يكون هناك انقطاع فيه؛ أي أن يكون متصلاً. ومما اشترطه في الراوي لقبول روايته من الشروط العامة؛ أن يكون مسلماً، عاقلاً، صادقاً، وغير مدلس، كما اشترط فيه العدالة؛ وهي أن يكون موصوفاً باتباع الشرع، بعيداً عن المعاصي، وأن يكون معروفاً بطلب الحديث، والبحث عنه، والسفر من أجله، وأن يكون حفظه مأخوذاً عن العلماء وليس من الصحف، وأن يكون معروفاً بالضبط في حفظه، ومتيقظاً، وغير مغفل، وأن يكون قليل الوهم والخطأ، وحسن السيرة، ومعروفاً بالوقار، وبعيداً عن الأهواء. بالإضافة إلى ذلك، اشترط البخاري ثبوت اللقاء والمعاصرة بين الراوي وشيخه، ولو مرة واحدة، مع كون الراوي ثقة، وغير مدلس.

شروط مسلم

بدأ الإمام مسلم بذكر شروطه من خلال ذكره الأحاديث وتقسيم رواتها إلى أقسام وطبقات. فقسم الأخبار والأحاديث المسندة إلى ثلاثة أقسام، ووزعها على أربعة طبقات؛ وذلك بحسب رواتها ومكانتهم عند أهل الجرح والتعديل. كما اشترط اتّصال السند عن الثقات، بعيداً عن الشذوذ والعلة. ولم يخرج في كتابه لصنفين من الناس، وهم: المتهمون عند المحدثين أو عند أكثرهم، أو من غلب على روايته الغلط أو الإنكار.

آراء العلماء في الأفضلية

اختلف العلماء في تفضيل أحد الصحيحين على الآخر. ذهب جمهور المحدثين إلى أن صحيح البخاري أرجح من صحيح مسلم، ويرى بعض العلماء من أهل المغرب ترجيح صحيح مسلم على صحيح البخاري، وقالوا إنه أصح من حيث حسن السياق، وجودة الترتيب والوضع. والأصل أن الخلاف بين العلماء شكلي، والحق أن البخاري أشد اتصالاً، وأتقن رجالاً من صحيح مسلم. وقد فصّل ابن حجر أوجه ذلك من خلال:

  • الإمام البخاري يشترط في المعنعن ثبوت اللّقيا بين الرّاويين لكي يحكم باتّصال السّند، أما الإمام مسلم فإنّه يكتفي بإمكان اللّقيا مع انتقاء التّدليس.
  • الإمام البُخاريّ يُخرّج عن الطبقة الأولى وهُم الثقات وعن الطبقة التي تليها، وأمّا الإمام مُسلم يخرج عن هاتين الطّبقتين وغيرهما.
  • اشتراط الإمام البخاريّ في الرّواة ثبوت اللّقاء ولو مرّةً واحِدة، واكتفى الإمام مُسلم بالمُعاصرة من غير اشتراط اللّقاء.

وقد صرّح جُمهور العلماء بتقديم صحيح البُخاريّ على صحيح مُسلم وذلك من غير المُعلّقات والتّراجم، كما اعترف الإمام مُسلم له بذلك، بالإضافة إلى أنّ الإمام البُخاريّ أعلم من الإمام مُسلم في علم الحديث، كما أنّ الإمام مُسلم روى عن الإمام البُخاريّ في حين لم يرد العكس.

خلاصة

في الختام، يتضح أن كلا من صحيح البخاري وصحيح مسلم يمثلان مرجعين هامين في الحديث النبوي الشريف، ويتميزان بمكانة عظيمة لدى العلماء والمسلمين. ورغم وجود بعض الاختلافات بينهما في أسباب التأليف، والمنهجية المتبعة، وشروط قبول الرواة، إلا أنهما يتفقان في الهدف الأساسي وهو جمع الأحاديث الصحيحة ونقلها للأمة. والاختلاف في الأفضلية بينهما لا يقدح في قيمة أي منهما، بل يعكس دقة العلماء واجتهادهم في خدمة السنة النبوية.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

كيفية التفريق بين صابون البابايا الأصلي والمغشوش

المقال التالي

الفروقات الجوهرية بين الصحيحين: البخاري ومسلم

مقالات مشابهة