مقدمة
يعتبر الغزل أحد الفنون الشعرية العريقة في الأدب العربي، ويتفرع إلى أنواع عدة، من بينها الغزل العفيف (أو العذري) والغزل الحسي (أو الصريح). يكمن الاختلاف الأساسي بين هذين النمطين في طبيعة التعبير عن الحب والعلاقة بين الشاعر والمحبوب. ففي حين يركز الغزل العذري على الجوانب الروحية والعاطفية، يهتم الغزل الحسي بالوصف الجسدي والتعبير عن الشهوة. قد تتضمن القصيدة الواحدة كلا النمطين، أو قد تقتصر على أحدهما. وبالمثل، قد يتبنى الشاعر أسلوبًا واحدًا طوال حياته، أو قد يجمع بين الأسلوبين في شعره.
الفروق الجوهرية بين الغزل العفيف والحسي
يكمن الفارق الأساسي في أن الغزل العذري يمثل توجهاً نحو عالم الروح، حيث الحب هو التقاء الأرواح والتعبير عن هذا الاشتياق شعراً. بينما الغزل الحسي يميل إلى الجانب المادي، متغزلاً بجمال الجسد والتوق إليه.
نظرة في تعريف الغزل العذري والصريح
الغزل العذري
هو لون من الشعر يعكس حرارة العاطفة، حيث يتجنب الشاعر فيه وصف جسد المحبوبة، ويهتم بوصف الشوق الروحي، وسحر المحبوبة، وتأثيرها العاطفي والنفسي على الشاعر، وحضورها أو غيابها المؤثر في حياته.
يعود أصل تسمية هذا النوع من الغزل إلى قبيلة بني عذرة، التي اشتهر شعراؤها بهذا الأسلوب قبل أن ينتشر بين شعراء آخرين.
الغزل الصريح
يُعرف أيضاً بالغزل الفاحش، وهو على النقيض من الغزل العذري، إذ يركز بشكل كامل على الصفات الجسدية للمحبوب، ويصفها الشاعر بوضوح وصراحة، متغنيا بالطول والوزن والشكل وغيرها من التفاصيل الجسدية.
الخصائص المميزة لكل نمط شعري
خصائص شعراء الغزل العذري
من أبرز سمات الغزل العذري هو اقتصار الشاعر على محبوبة واحدة طوال حياته، وعدم ذكر غيرها في شعره. كما يتميز شعراء هذا النمط بالقناعة والزهد، وعدم القدرة على التكيف مع التغيرات السريعة. وقد تأثروا بالإسلام، فعبروا عن الزهد في ملذات الحياة من خلال الشعر.
خصائص شعراء الغزل الصريح
يتسم شعر الغزل الصريح بعدة سمات، منها عدم الثبات على محبوبة واحدة، ووصف المغامرات الغرامية بقالب قصصي، والإشارة إلى التراسل وكثرة الرسل بين الشاعر والنساء.
أشهر أعلام الشعر في كلا النوعين
أبرز شعراء الغزل العذري
اتخذ العديد من الشعراء هذا النوع من الغزل طريقا لهم، وقد انتشر بشكل خاص في العصر الأموي. من أبرز شعراء الغزل العذري قيس بن الملوح (مجنون ليلى)، الذي دارت معظم قصائده حول محبوبته ليلى ومشاعر الحب تجاهها، ومن أشعاره:
ما بال قلبك يا مجنون قد خُلِعا
في حب من لا ترى في نيلِه طمعاً
الحبُّ والودُّ نيطا بالفؤاد لها
فأصبحا في فؤادي ثابتين معاً
طوبى لمن أنتِ في الدنيا قرينته
لقد نفى الله عنه الهمَّ والجزعا
بل ما قرأت كتاباً منك يبلغني
إلا ترقرَق ماء العين أو لمعا
أدعو إلى هجرها قلبي فيتبعني
حتى إذا قلت هذا صادق نزعا
لا أستطيع نزوعاً من مودَّتها
ويصنع الحبُّ بي فوق الذي صنعا
كم من دنيء لها قد كنت أتبعه
ولو صحا القلب عنها كان لي تبعا
ومن أبرز الشعراء العذريين كذلك: جميلة بثينة، وكثير عزة، وغيرهم.
أبرز شعراء الغزل الصريح
انتشر هذا النوع من الغزل في الحجاز، وتحديدا في مكة المكرمة والمدينة المنورة. من أبرز شعرائه في فترة أوج انتشاره: عمر بن أبي ربيعة في مكة، والأحوص في المدينة المنورة. ومن قصائد عمر بن أبي ربيعة:
لَيتَ هِنداً أَنجَزَتنا ما تَعِدو
وَشَفَت أَنفُسَنا مِمّا تَجِدو
اِستَبَدَّت مَرَّةً واحِدَةً
إِنَّما العاجِزُ مَن لا يَستَبِد
زَعَموها سَأَلَت جاراتِها
وَتَعَرَّت ذاتَ يَومٍ تَبتَرِد
أَكَما يَنعَتُني تُبصِرنَني
عَمرَكُنَّ الَهَ أَم لا يَقتَصِد
فَتَضاحَكنَ وَقَد قُلنَ لَها
حَسَنٌ في كُلِّ عَينٍ مَن تَوَد
حَسَدٌ حُمِّلنَهُ مِن أَجلِها
وَقَديماً كانَ في الناسِ الحَسَد
غادَةٌ تَفتَرُّ عَن أَشنَبِها
حينَ تَجلوهُ أَقاحٍ أَو بَرَد
وَلَها عَينانِ في طَرفَيهِما
حَوَرٌ مِنها وَفي الجيدِ غَيَد
طَفلَةٌ بارِدَةُ القَيظِ إِذا
مَعمَعانُ الصَيفِ أَضحى يَتَّقِد
سُخنَةُ المَشتى لِحافٌ لِلفَتى
تَحتَ لَيلٍ حينَ يَغشاهُ الصَرَد
وَلَقَد أَذكُرُ إِذ قُلتَ لَها
وَدُموعي فَوقَ خَدّي تَطَّرِد
قُلتُ مَن أَنتِ فَقالَت أَنا مَن
شَفَّهُ الوَجدُ وَأَبلاهُ الكَمَد
نَحنُ أَهلُ الخَيفِ مِن أَهلِ مِنىً
ما لِمَقتولٍ قَتَلناهُ قَوَد
قُلتُ أَهلاً أَنتُمُ بُغيَتُنا
فَتَسَمَّينَ فَقالَت أَنا هِند
إِنَّما خُبِّلَ قَلبي فَاِجتَوى
صَعدَةً في سابِرِيٍّ تَطَّرِد
إِنَّما أَهلُكِ جيرانٌ لَنا
إِنَّما نَحنُ وَهُم شَيءٌ أَحَد
حَدَّثوني أَنَّها لي نَفَثَت
عُقَداً يا حَبَّذا تِلكَ العُقَد
كُلَّما قُلتُ مَتى ميعادُنا
ضَحِكَت هِندٌ وَقالَت بَعدَ غَد
ختام
في الختام، يمثل الغزل العذري والحسي وجهين مختلفين للتعبير عن الحب في الشعر العربي، ولكل منهما خصائصه المميزة ورواده الذين تركوا بصمة واضحة في تاريخ الأدب.