جدول المحتويات
تعريف المجاز اللغوي
يعتبر المجاز اللغوي أحد فروع علم البيان، وهو يمثل استخدام الألفاظ في معانٍ غير معناها الأصلي المتعارف عليه. يتم ذلك لوجود صلة أو علاقة بين المعنى الأصلي للكلمة والمعنى الجديد الذي استخدمت فيه. هذه العلاقة هي ما تجعل الكلام بليغاً ومؤثراً.
على سبيل المثال، عندما نقول: “استقبلنا وفداً من العلماء”، فإننا لا نقصد استقبال ذواتهم فقط، بل نقصد استقبال علمهم ومكانتهم. هذا الاستخدام يخرج عن المعنى الحرفي للاستقبال، ويحمل معنى أعم وأشمل.
لكي يكون اللفظ مستخدماً بشكل مجازي، يجب أن يكون هناك قرينة تمنع إرادة المعنى الحقيقي للكلمة. في المثال السابق، قد تكون القرينة هي أن الاستقبال الحقيقي لذوات العلماء قد تم بالفعل، وأننا نتحدث عن استقبال معنوي.
ينقسم المجاز اللغوي إلى قسمين رئيسيين هما:
- المجاز المرسل: العلاقة بين المعنى الحقيقي والمجازي هي علاقة غير قائمة على المشابهة.
- الاستعارة: العلاقة بين المعنى الحقيقي والمجازي هي علاقة مشابهة.
المجاز المرسل
المجاز المرسل هو استعمال الكلمة في غير معناها الحقيقي لعلاقة غير المشابهة مع وجود قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي، وسمي مرسلاً لإطلاقه وعدم تقييده بعلاقة واحدة فقط، بل له علاقات متعددة.
من أبرز علاقات المجاز المرسل:
علاقة السببية
هي ذكر السبب وإرادة المسبب. أي أن نستخدم كلمة تدل على السبب في شيء ما، ونحن نقصد النتيجة أو الأثر الناتج عن هذا السبب.
مثال من القرآن الكريم:
{وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}.
في هذه الآية، كلمة “سيئة” الثانية تعني القصاص، فالسيئة هي سبب للقصاص، فالمجاز مرسل علاقته السببية.
العلاقة المسببية
وهي عكس علاقة السببية، حيث يتم ذكر النتيجة أو الأثر، والمراد هو السبب الذي أدى إلى ذلك.
مثال من القرآن الكريم:
{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ}.
في هذه الآية، كلمة “رزقاً” تعني الماء الذي ينزل من السماء، فالماء هو سبب الرزق، فالمجاز مرسل علاقته المسببية.
العلاقة الجزئية
هي ذكر الجزء وإرادة الكل، أي أن نذكر جزءاً من الشيء، ولكننا نقصد الشيء بأكمله.
مثال من القرآن الكريم:
{وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.
في هذه الآية، كلمة “رقبة” تعني العبد بأكمله، فالمجاز مرسل علاقته الجزئية.
العلاقة الكلية
هي ذكر الكل وإرادة الجزء، أي أن نذكر الشيء بأكمله، ولكننا نقصد جزءاً منه فقط.
مثال من القرآن الكريم:
{أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ}.
في هذه الآية، كلمة “أصابعهم” تعني أطراف الأصابع، فالمجاز مرسل علاقته الكلية.
علاقة اعتبار ما كان
هي التعبير عن الشيء باسم ما كان عليه في الماضي.
مثال من القرآن الكريم:
{إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى}.
في هذه الآية، كلمة “مجرماً” تعني الشخص الذي كان مجرماً في الدنيا، فالمجاز مرسل علاقته اعتبار ما كان.
علاقة اعتبار ما يكون
هي التعبير عن الشيء باسم ما سيكون عليه في المستقبل.
مثال من القرآن الكريم:
{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.
في هذه الآية، كلمة “خمراً” تعني العنب الذي سيتحول إلى خمر، فالمجاز مرسل علاقته اعتبار ما يكون.
علاقة المحلية
وهي ذكر المحل وإرادة الحال فيه، أي ذكر المكان والمقصود به الأشخاص أو الأحداث الموجودة فيه.
مثال من القرآن الكريم:
{وَاسأل الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ}.
في هذه الآية، كلمة “القرية” تعني أهل القرية، فالمجاز مرسل علاقته المحلية.
علاقة الحالية
وهي ذكر الحال وإرادة المحل، أي ذكر الصفة أو الحالة والمقصود بها المكان أو الكيان الذي يحمل هذه الصفة.
مثال من القرآن الكريم:
{وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ}.
في هذه الآية، كلمة “رحمة” تعني الجنة، فالمجاز مرسل علاقته الحالية.
علاقة الآلية
وهي استعمال اسم الآلة للدلالة على الأثر الناتج عنها.
مثال من القرآن الكريم:
{وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
كلمة “بلسان” هنا تعني لغة، فالمجاز مرسل علاقته الآلية.
علاقة المجاورة
هي الدلالة على الشيء بذكر ما يجاوره أو يرتبط به ارتباطاً وثيقاً.
مثال:
نقول: “ركب الفرسان سروجهم”.
كلمة “سروجهم” هنا تعني الخيل، فالمجاز مرسل علاقته المجاورة.
الاستعارة
الاستعارة هي نوع من أنواع المجاز اللغوي، وتعتمد على وجود علاقة مشابهة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي للكلمة. أي أننا نستخدم كلمة في معنى غير معناها الأصلي لوجود صفة مشتركة بينهما.
تنقسم الاستعارة إلى قسمين رئيسيين:
- الاستعارة التصريحية: يتم فيها ذكر المشبه به (المستعار منه) وحذف المشبه (المستعار له).
- الاستعارة المكنية: يتم فيها ذكر المشبه (المستعار له) وحذف المشبه به (المستعار منه)، مع الإشارة إليه بشيء من لوازمه.
مثال على الاستعارة التصريحية:
“انقضَّ الأسد على فريسته”.
في هذا المثال، كلمة “الأسد” تستخدم للدلالة على المحارب الشجاع، وقد تم حذف المشبه (المحارب) وذكر المشبه به (الأسد) صراحة.
مثال على الاستعارة المكنية:
“ابتسم الدهر لنا”.
في هذا المثال، تم تشبيه الدهر بالإنسان الذي يبتسم، ولكن تم حذف المشبه به (الإنسان) والإشارة إليه بشيء من لوازمه (الابتسام).