مقدمة
لا شكّ أن الإنسان يسعى جاهدًا للعيش في بيئة آمنة ومستقرة، ممّا يتيح له ممارسة حياته وأنشطته اليومية بحرية وراحة. تحقيقًا لهذه الغاية، أولت الشريعة الإسلامية اهتمامًا بالغًا بالحفاظ على الضروريات الخمس: النفس، والدين، والعِرض، والمال. فالدولة التي تنعم بالأمن والاستقرار هي القادرة على تحقيق التقدم والازدهار وتوفير الرفاهية لمواطنيها. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هو مفهوم السلامة الوطنية، وما أهميته في حياة الأمم والشعوب؟
تحديد مفهوم السلامة الوطنية
يمكن تعريف السلامة الوطنية (National Security) بأنها قدرة الدولة على صيانة أسس قوتها الداخلية والخارجية، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية، وفي مختلف المجالات الحيوية. هذه القدرة تمكنها من مواجهة الأخطار والتحديات التي تهددها من الداخل والخارج، سواء في أوقات السلم أو الحرب.
يتضح من هذا التعريف أن مفهوم السلامة الوطنية يرتكز على ثلاثة عناصر أساسية:
- التحديات: وهي المتغيرات أو المشكلات أو العقبات التي تواجه الدولة على مختلف الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية.
- المخاطر: وهي الضغوط والإحباطات التي قد تنشأ في البيئات المحلية والإقليمية والدولية، والتي تعيق تحقيق المصالح الحيوية للدولة أو تؤثر على دورها على الساحة العالمية والإقليمية.
- التهديدات: وهي القضايا الخارجية أو الداخلية التي تعرقل تقدم الدولة في تنفيذ استراتيجياتها، وتؤثر بشكل مباشر على مصالحها الحيوية، وقد تؤدي إلى زعزعة استقرارها وسلامتها.
جوانب السلامة الوطنية
الجانب العسكري
يعد الجانب العسكري من أهم جوانب السلامة الوطنية وأكثرها تأثيرًا. لا يمكن التهاون في تطويره وتعزيزه، فالتقصير في هذا الجانب يعني زيادة الأخطار والتهديدات التي تواجه الدولة، مما قد يؤدي إلى انهيارها أو خضوعها للاحتلال، أو حتى زوالها وضمها إلى دولة أخرى أو تقسيمها بين الدول. يرتبط هذا الجانب ارتباطًا وثيقًا ببقية جوانب السلامة الوطنية، حيث يؤدي ضعف أي منها إلى إضعاف الجانب العسكري.
الجانب الاقتصادي
يهدف الجانب الاقتصادي إلى تحقيق مستوى معيشة لائق للشعوب، وتعزيز التنمية في المجتمعات. يعتبر هذا الجانب أن السلامة والتنمية مرتبطان بشكل وثيق، وأن الموارد التي تنفق على تحقيق السلامة الوطنية ليست خسارة، بل هي استثمار يعود على الدولة بعوائد مجدية وقيّمة.
مستويات السلامة الوطنية
تتألف السلامة الوطنية من ثلاثة مستويات متكاملة:
- المستوى الداخلي: يتعلق بحماية المجتمع من أي اختراقات أو تهديدات، وتحقيق الاستقرار في كافة المجالات.
- المستوى الإقليمي: يتعلق بعلاقات الدولة مع الدول الأخرى في المنطقة.
- المستوى الدولي: يتعلق بتفاعل الدولة مع المجتمع الدولي.
نطاق السلامة الوطنية
شهد نطاق السلامة الوطنية اتساعًا كبيرًا منذ تسعينيات القرن الماضي، ليشمل العديد من الأنشطة الإنسانية الخاصة بالدولة بالإضافة إلى الجوانب العسكرية.
يعزى هذا التوسع إلى تنوع التهديدات التي تواجه الدولة، حيث لم يعد التهديد العسكري الخارجي هو الوحيد الذي يهدد أمنها، بل ظهرت تهديدات جديدة مثل انتشار تجارة المخدرات العابرة للحدود، والإرهاب الدولي، وانتشار التلوث البيئي والفقر، وتفشي الأوبئة، وازدياد معدلات الجريمة المنظمة.
السلامة الوطنية العربية
مفهوم السلامة الوطنية العربية
يمكن تعريف السلامة الوطنية العربية بأنها قدرة الأمة العربية على الحفاظ على إنجازاتها وأسسها ومبادئها من الأخطار والتهديدات التي تواجهها، سواء كانت هذه التهديدات تخص قطرًا عربيًا معينًا أو الأمة العربية بأكملها.
تحديات السلامة الوطنية العربية
تواجه السلامة الوطنية العربية العديد من المعوقات التي تحول دون تطورها وتحقيقها، ومنها:
- تعقيد العناصر التي تشكل السلامة الوطنية، مما يجعل عملية رصدها أمرًا صعبًا.
- تنوع الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية.
- تفضيل بعض الدول لأمنها القطري الخاص على السلامة الوطنية العربية.
- تحويل الأموال العربية إلى الأسواق الأجنبية، وغياب التطور في التكنولوجيا، وفشل التنمية وخططها.
دعائم السلامة الوطنية العربية
لا يمكن تحقيق السلامة الوطنية العربية والتنمية والرخاء والنمو الاقتصادي إلا من خلال تحقيق الأمن والسلام، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال دعائم عديدة، منها:
- تحقيق الكرامة الاجتماعية والرخاء الاجتماعي للشعوب، والسماح لطاقاتهم الكامنة بالانطلاق وتقييد الخوف والحد منه.
- تأكيد مفهوم استقلال الدول في الجانب الاقتصادي والسياسي، وكسب الإرادة في إزالة المثبطات ومسبباتها ومواجهة المخاطر، والتخلص من المهانة.
- توفير الإرادة السياسية في تحقيق السلامة الوطنية العربية.
- توفير الحقوق الاجتماعية والسياسية للأفراد وللدولة، بما يتفق مع مفهوم السلامة الوطنية الدولية.
المراجع
- جمال نصار (6-8-2012)،”أهمية وضرورة الأمن في حياتنا”،الوطن، اطّلع عليه بتاريخ 30-4-2017.
- زكريا حسين (2001)،مذكّرات في الأمن القومي، جامعة الإسكندرية-مصر: كلية التّجارة، صفحة 12-15.
- زكريا حسين (2001)،مذكرات في الأمن القومي، جامعة الإسكندرية-مصر: كلية التّجارة، صفحة 17.
- ” الأمن القومي”،هيئة التّوجيه السياسي والمعنوي- وزارة الداخلية الفلسطينية، اطّلع عليه بتاريخ 30-4-2017.
- أبسيد العزازي،”مفتاح الأبواب المغلقة لفهم الأمن واستراتيجيته”،المركز الديمقراطي العربي، اطّلع عليه بتاريخ 30-4-2017.
- العين عبدالله آل عيون (25-5-2016)،”الأمن الوطني الأردني”،جريدة الرأي، اطّلع عليه بتاريخ 30-4-2017.
- تامر إبراهيم كامل هاشم،الصراع بين الولايات المتحدة والصين الشعبية وروسيا الاتحادية كقوتين صاعدتين، القاهرة- مصر: المكتب العربي للمعارف، صفحة 54.
- رائد حسنين،السياسة الإسرائيلية في إفريقيا، بيروت: دار ابن رشد، صفحة 143.
- رائد حسنين،السياسة الإسرائيلية في إفريقيا، بيروت: دار ابن رشد، صفحة 146، 147.
- رائد حسنين،السياسة الإسرائيلية في إفريقيا، بيروت: دار ابن رشد ، صفحة 151.
الجانب الاجتماعي
يمثل الإنسان حجر الزاوية في تحقيق السلامة الوطنية، فهو المسؤول عن تفعيلها على مستوى الفرد والمجتمع. يتطلب ذلك إعداد المواطنين وتأهيلهم بشكل سليم من الناحية الصحية والأخلاقية والثقافية. تركز الدراسات في هذا الجانب على الخصائص النوعية والعددية للإنسان، حيث تتناول الخصائص العددية مواضيع متنوعة مثل نسبة عدد السكان إلى مساحة الدولة، ومعدلات النمو السكاني، ونصيب الفرد من الدخل القومي، والتوزيع العمري للسكان، ومناطق تمركزهم. يهدف الجانب الاجتماعي إلى توفير بيئة مستقرة للمجتمع، وتحقيق التوازن بين مختلف العوامل الاجتماعية والسكانية.