مفهوم الإيثار والتضحية وأهميته

تعريف شامل للإيثار والتضحية، وبيان أهميته في بناء الفرد والمجتمع، مع أمثلة من التاريخ الإسلامي.

مقدمة: جوهر الكرم والعطاء

الإيثار والتضحية مفهومان عميقان يحملان في طياتهما معاني نبيلة وقيمًا رفيعة. هما ليسا مجرد كلمات عابرة، بل هما تجسيد لأسمى معاني الإنسانية والعطاء. إنهما طريق المخلصين، وسبيل الصالحين، حيث يبذل الأفراد أثمن ما يملكون لتحقيق هدف سامٍ أو غاية نبيلة. عندما يتحقق المراد، يصبح كل ما تم التضحية به قليلًا وضئيلاً في نظر المضحّي. هذه الصفة لا يتمتع بها الجميع، فهي حكر على ذوي القلوب الطيبة والنفوس الراقية، الذين يسمون بأنفسهم عن كل ما هو دنيء أو قاسي.

يحفظ لنا التاريخ قصصًا لأبطال سطّروا أروع الأمثلة في الإيثار والتضحية، وقدموا مواقف عظيمة تشهد على نبلهم وعطائهم.

أثر الإيثار والتضحية على الفرد والجماعة

الإيثار والتضحية ليسا بالأمرين الهينين، فليس كل شخص قادرًا على بذل أغلى ما يملك من أجل الآخرين. إنها صفة سامية لا يرتقي إليها إلا من سعى إليها بصدق وإخلاص. إذا تأملنا واقعنا، سنجد أن القليل من الناس يتصفون بهذه الصفة، وإذا دققنا النظر في أحوالهم، فسنجدهم أصدق الناس، وأكثرهم طيبة، وأنفعهم للآخرين. لا شك أن صعوبة اكتساب هذه الصفة يجعلها عملة نادرة على مستوى الأفراد والمجتمع، ولها تأثير قوي، سواء كان إيجابيًا أم سلبيًا.

تختلف التضحيات باختلاف الهدف الذي يتم التضحية من أجله. فمنهم من يضحي من أجل وطنه، ومنهم من يضحي من أجل أسرته وأولاده، ومنهم من يضحي من أجل دينه. هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، صاحب الرسول ورفيقه، ضحى بحياته فداء للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك عندما كانا في الغار، حيث دخله أبو بكر قبل النبي حتى يتأكد من خلوه من أي خطر، فسدّ جحرًا برجله ليحمي النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن أمثلة التضحية أيضًا، المجاهد الذي يحرس وطنه ويضحي بنفسه ليبقى وطنه حرًا وشريفًا، والأم التي تضحي براحتها لخدمة زوجها وتربية أبنائها، والشخص الذي يعمل ليل نهار ويضحي براحته لتحقيق هدفه. كلهم سواء في ميزان التضحية.

تنعكس آثار الإيثار والتضحية على الفرد والمجتمع على حد سواء. فإذا تربى الفرد على هذه القيم، فإنه يبني بداخله بيتًا من الإيثار، ويؤثر غيره على نفسه في كل شيء. يسمو بنفسه ويتخلص من الصفات السلبية مثل الطمع والجشع والجبن. وبذلك، يساهم في بناء مجتمع سليم ونظيف من الأنانية وحب الذات والكراهية.

لا شك أن المجتمع الذي ينشأ على الإيثار والتضحية هو مجتمع قوي ومتين بأفراده، يسعى نحو التقدم والازدهار، ويصعب على أعدائه النيل منه. فالإيثار والتضحية من أهم العناصر البناءة في قيام المجتمعات والأفراد. لقد قدم جيل الصحابة أروع الأمثلة في التضحية، حيث بذلوا الغالي والنفيس وقدموا أموالهم وأنفسهم فداء لله، حتى سادوا الأمم وارتقوا إلى القمم.

هنيئًا لمن ضحى بدنياه في سبيل آخرته، ولمن ضحى براحته لتحقيق أعلى الدرجات، ولمن ضحى بسعادته لإسعاد غيره، ولمن ضحى بأوقاته من أجل أبنائه، ولمن ضحى بدمه فداء لوطنه، ولمن ضحت براحتها لراحة أبنائها. حقًا، لنعم الخلق خلق الإيثار والتضحية، ولنعم فعل المضحين. وتعسًا لمن ضحى بأوقاته من أجل أهوائه وشهواته، ولمن ضحى بنفسه إرضاء لأعدائه، ولمن ضحى بماله لنصرة باطل أو ظالم. حقًا، لبئس الخلق خلق الجشع، ولبئس الفعل فعلهم. فشتان بين من ضحى وبذل، وبين من طمع وبخل. فالأول يبني مجتمعًا راقيًا، والآخر يبني مجتمعًا فاسدًا.

الناس يختلفون في بذلهم للتضحيات. فمنهم من يسارع إلى التخلق بهذه الصفة، ومنهم من يتباطأ. الفرق بينهما هو الوازع الداخلي الذي يدفعهم إلى التضحية من أجل أنفسهم ودينهم ووطنهم وأمتهم. فإذا كان الوازع قويًا، كانت الاستجابة سريعة، وإذا كان الوازع ضعيفًا، كانت الاستجابة بطيئة. يجب على كل فرد أن يبذل ويضحي من أجل رقي مجتمعه، ولا يلتفت إلى أصحاب النفوس الدنيئة، ولا يستسلم لشهوات نفسه التي تأمره بالكسل والأنانية.

يتم اكتساب الإيثار والتضحية بتعويد النفس على تمني الخير للناس، ومساعدتهم في قضاء حوائجهم، ولو على حساب الوقت أو حظوظ النفس. كما يتم اكتسابها بمرافقة أصحاب الأخلاق الحسنة الذين تربوا على الإيثار والتضحية، وبالتحلي بالشجاعة والإقدام والتخلص من أمراض النفس كاللؤم والجشع. كذلك يكون اكتسابها من خلال القراءة في سير أصحاب التضحيات العظيمة.

نماذج مشرقة من التضحية في التاريخ

تضحية علي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- في الهجرة عندما نام في سرير النبي صلى الله عليه وسلم وقت الهجرة هي مثال عظيم على التضحية من أجل الدين ونصرة النبي والأمة. فهو بذلك يكون قد سَما بنفسه في سجل أصحاب التضحيات العظيمة.

خلاصة: الإيثار قيمة أخلاقية ودينية

ختامًا، الإيثار والتضحية هما جوهر كل خلق حسن، وهما قيمة دينية أشاد بها القرآن الكريم، حيث قال الله عز وجل: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾. فقد أثنى الله تعالى على من ضحى بنفسه وماله في سبيله، وجزاهم برزق في الجنة. وقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة الكثير من الآيات والأحاديث التي تمجد هذه القيمة النبيلة، لما لها من أثر كبير على الفرد والمجتمع على حد سواء.

Total
0
Shares
المقال السابق

أهمية التعاضد و دوره في بناء مجتمع قوي

المقال التالي

أهمية التكاتف والعمل المشترك

مقالات مشابهة