مقدمة في الأسلوبية الأدبية
يوجد تعريف شائع ومقبول على نطاق واسع بين الباحثين في مجال الدراسات الأسلوبية، وهو اعتبار الأسلوب بأنه “الطريقة التي يتم بها التعبير عن الفكر من خلال اللغة”. وعلى الرغم من أن جذور هذا التعريف تعود إلى كتاب “الخطابة” لأرسطو، حيث يظهر الأسلوب بمعنى التعبير وأدوات الصياغة، وإلى كتاب “دلائل الإعجاز” لعبد القاهر الجرجاني، الذي يعرفه بوضوح بأنه: “والأسلوب: الضرب من النظم والطريقة فيه”، إلا أن (بيير جيرو) يصفه بأنه تعريف بسيط ولكنه مقبول عالميًا للأسلوب.
يمكن القول إن الأسلوبية هي فرع حديث من فروع علم اللغة يبحث في الوسائل اللغوية التي تمنح النص العادي أو الأدبي خصائصه التعبيرية أو الشعرية، مما يميزه عن غيره. إنها تدرس الظواهر الأسلوبية باستخدام المنهجية الأسلوبية، وتعتبر الأسلوب ظاهرة لغوية يتم تحليلها في النصوص وسياقاتها المختلفة.
وقد عرفها (جاكبسون) بأنها البحث عن الخصائص التي تميز الكلام الفني عن المستويات الأخرى للخطاب، وعن الأنواع الأخرى من الفنون الإنسانية، معتبراً إياها فرعًا من فروع علم اللسانيات.
مجالات دراسة الأسلوبية
تهتم الأسلوبية بدراسة كل ما يتعلق بمظاهر (الانحراف الجمالي، الانزياح، العدول) في النص الأدبي. كما تهتم بكل جوانب اللغة من أصوات وكلمات وصيغ وتراكيب ونحو وصرف ودلالة. على سبيل المثال، تعتبر جملة “محمد كريم” كلامًا عاديًا، بينما تمثل جملة “محمد بحر” انزياحًا أو خروجًا عن المألوف في اللغة. بالإضافة إلى ذلك، تتناول الأسلوبية نظام اللغة من حيث الترتيب في التراكيب، والحذف والإضافة، وغيرها من الأساليب اللغوية.
التوجهات المختلفة في الأسلوبية
يتحدد المنهج الأسلوبي وفقًا لخمسة اتجاهات رئيسية:
- الأسلوبية الصوتية: تركز على دراسة الأصوات والإيقاع والعلاقة بين الصوت والمعنى.
- الأسلوبية الوظيفية: تهتم بدراسة العدول أو ما يعرف بالانحراف أو الانزياح اللغوي.
- الأسلوبية التعبيرية: يقودها (بالي)، الذي مهد الطريق للتمييز بين أسلوب يسعى للتأثير في القارئ، وآخر يهدف فقط إلى توصيل الأفكار بدقة.
- الأسلوبية الإحصائية: تعتمد على دراسة جانبين:
- التعبير عن الحدث: ويشمل الكلمات أو الجمل التي تعبر عن الحدث، وبالتالي الكلمات المستخدمة.
- التعبير عن صفة: ويتم حساب عدد التراكيب والقيمة العددية الناتجة تزيد أو تنقص، بناءً على زيادة أو نقصان عدد الكلمات الموجودة في هذه التراكيب.
الصلة بين الأسلوب وعلم الأسلوبية
من الضروري التمييز بين الأسلوب والأسلوبية. فالحديث عن الأسلوب يسبق الحديث عن الأسلوبية، فالأسلوب هو طريقة التعبير أو الإنشاء أو الكتابة، وطريقة اختيار الألفاظ وتأليفها والتعبير بها عن المعاني بهدف الإيضاح والتأثير. إنه العنصر اللفظي في النص، ويقابله العناصر المعنوية: الأفكار والخيال والعاطفة. يختلف تعريف الأسلوب باختلاف المنطلقات، فهناك تعريف بالنظر إلى المتحدث والمخاطَب والخطاب، وهذا التعدد أثر أيضًا في تعدد الأسلوبيات.
أما الأسلوبية فهي منهج من مناهج النقد الحديث، وتعتبر من مناهج الحداثة، وهي فرع من فروع علم اللسانيات. تدرس الأسلوب في اللغة عندما يمارسه الإنسان كلامًا ينطق به أو يكتبه. تمتد الأسلوبية بامتداد اللغة والأسلوب. يقول الدكتور عدنان علي رضا النحوي: “والأسلوبية هي علم كما يراها بعض الدارسين الغربيين أو هي نقد أو فلسفة أو نهج كما يراها آخرون تقترن دائماً بالأسلوب فحيثما وجد أحدهما وجد الآخر فإذن الأسلوب والأسلوبية متلازمان”.
المراجع
- د. عبد العزيز فتح الله عبد الباري (15/7/2009)،”الأسلوبية والنص النبوي الشريف”،الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 26/1/2022. بتصرّف.
- أبعلي حاجي خاني،إضاءات نقدية فصلية محكمة، صفحة 84. بتصرّف.