فهرس المحتويات
تفسير الآية: “هن لباس لكم وأنتم لباس لهن”
تعتبر الآية رقم 187 من سورة البقرة من الآيات التي تحمل معاني عميقة ودلالات عظيمة في العلاقة الزوجية. الآية الكريمة تتكون من 65 كلمة وهي جزء من سياق آيات الصيام، وهي قوله تعالى:
“أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ” [البقرة: 187].
يُفسر الطبري هذه الآية بأنها تعني أن النساء ستر وغطاء للأزواج، والأزواج ستر وغطاء للنساء. وقد يسأل سائل: كيف يكون ذلك واللباس هو ما يُلبس؟ والإجابة تكمن في أن كل طرف يمثل لباساً للآخر بمعنى الاقتراب والالتصاق، كما يكون الحال عند النوم والاجتماع في ثوب واحد. فالقرب الجسدي والروحي بين الزوجين يجعلهما بمنزلة اللباس الواحد.
ويُعتبر اللباس هنا كناية عن الزوج؛ لأنه يستر صاحبه ويحفظه من الوقوع في المحظورات. فكما أن اللباس يستر العورة، فإن الزواج يحمي الزوجين من الفتن والانزلاق في المعاصي.
من الناحية البلاغية، تتضمن الآية تشبيهاً بليغاً؛ حيث يشبه الله سبحانه وتعالى الزوج باللباس لزوجته، والعكس صحيح. ووجه الشبه يكمن في الستر والحماية والقرب والراحة التي يوفرها اللباس. فالزوجان يستران بعضهما البعض ويحفظان أسرارهما، كما يحمي اللباس الجسم من العوامل الخارجية.
تحليل في ضوء التفاسير
يتضح من خلال التفاسير المعتمدة لهذه الآية أن الله سبحانه وتعالى قد منح الزوجين حقوقاً متبادلة. فقد شرع النكاح لتلبية الرغبات الإنسانية ضمن حدود وضوابط شرعية، مما يمنع الانفلات ويحقق السعادة والاستقرار. فالزواج يقيّد هذه الرغبات ويجمّلها بأطر شرعية منضبطة، تمكن الإنسان من تحقيق رغباته بطريقة تحفظ كرامته وتميزه عن البهائم التي تعيش في عشوائية.
يسعى الإنسان إلى الزواج لتلبية احتياجاته العاطفية والجسدية. وقد أنعم الله على البشر بالزواج لتقويم رغباتهم. قال تعالى:
“وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ” [النحل: 72].
فالزواج ضرورة من ضروريات الحياة، والإسلام جاء لتنظيمه وضبطه، وليس للرهبنة كما في بعض الديانات الأخرى.
في سياق التشبيه الوارد في الآية، يجب التأكيد على الراحة التي يشعر بها الإنسان عند ستر عيوبه وذنوبه. وهذا الشعور يجب أن ينعكس بين الزوجين. وتجيز الآية الكريمة الكشف بين الزوجين دون حرج، وهذا الأمر مباح في الحياة الزوجية بعد عقد الزواج الشرعي، وليس في فترة الخطوبة. ففي هذا الستر والتحصين حفظ للزوجين وإغناء لهما بالحلال عن الحرام.
الدروس المستفادة من الآية
تتضمن هذه الآية فوائد جمة تعود بالنفع على الفرد والمجتمع، ومن أهم هذه الفوائد:
- تحقيق الستر بمعناه الحقيقي والمجازي لكلا الزوجين. فالزوج ستر للزوجة والعكس صحيح.
- غرس الشعور بالراحة النفسية بين الزوجين عندما تكون العلاقة الزوجية ملتزمة بقواعد الشرع بعيداً عن الحرام. قال تعالى:
- تأكيد أن الإسلام قد نظم الرغبات الإنسانية ولم يطلق لها العنان.
- جعل النكاح تحصيناً وحماية للإنسان من الوقوع في المحرمات. قال تعالى:
- حماية المجتمع من خلال ضبط سلوك الأفراد وتهذيبهم وتقويمهم.
“هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا” [الأعراف: 189].
“وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ” [المؤمنون: 5].
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- أبو جعفر الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن.
- الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني، تفسير الراغب الأصفهاني.