مقدمة
تعتبر الآيات القرآنية الكريمة كنوزًا زاخرة بالمعاني والدلالات، وتحمل في طياتها دروسًا وعبرًا قيّمة. من بين هذه الآيات، تبرز الآية الكريمة التي وردت في سورة آل عمران: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّـهِ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ). هذه الآية تتناول موقف النبي عيسى -عليه السلام- عندما استشعر الكفر من قومه، وكيف استجاب له الحواريون. سنتناول في هذا المقال تفسير هذه الآية من وجهات نظر مختلفة لعلماء التفسير، بالإضافة إلى استخلاص بعض الفوائد المستنبطة منها.
رؤية الطبري في تفسير الآية
يوضح الإمام الطبري -رحمه الله- أن النبي عيسى -عليه السلام- عندما رأى من بني إسرائيل الجحود والتكذيب لرسالته ورفضهم لدعوته، تساءل: من هم أعواني وأنصاري في سبيل الله لمواجهة هؤلاء المكذبين المعاندين؟ ويذكر الطبري اختلاف العلماء في سبب طلب عيسى -عليه السلام- النصرة من الحواريين. وينقل قصة عن السُديّ تصف كيف خرج عيسى وأمه -عليهما السلام- يجوبان البلاد بحثًا عن من يساندهم ويؤيدهم.
وبحسب رواية السُديّ، مرّا بالعديد من الأماكن حتى التقوا بالحواريين وهم يعملون في صيد السمك، فطلب منهم عيسى النصرة. فاستجابوا له وأعلنوا تصديقهم وإيمانهم به، وطلبوا منه أن يشهد على إسلامهم. ويذكر الطبري أيضًا أن سبب طلب النصرة هو خوف عيسى من أن يقتله بنو إسرائيل. ويشير إلى وجود آراء متعددة حول سبب تسمية الحواريين بهذا الاسم، منها أنهم سموا بذلك لبياض ثيابهم، وقيل لأنهم كانوا يعملون في تبييض الثياب.
كما ذكر الطبري في تفسير الطبري تفاصيل اضافية حول هذه الاية.
قال -تعالى- فيسورة آل عمران:(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّـهِ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)
منظور ابن الجوزي حول الآية
يشير ابن الجوزي -رحمه الله- في تفسيره للآية إلى أن عيسى -عليه السلام- عندما علم بكفر قومه، سأل الحواريين: من هم أعواني في سبيل الله، أو من يعاونني حتى أتمكن من بيان دين الله؟ ويضيف أن عيسى طلب النصرة لأن بني إسرائيل أخرجوه من دياره ونفوه، وقيل أيضًا لأنهم أرادوا قتله، وقيل لكي يتمكن من إظهار الحق وإقامة الحجة.
كما يورد ابن الجوزي آراء مختلفة حول معنى كلمة “الحواريين”، منها أنهم الصفوة والأخيار، وقيل أنهم أصحاب الثياب البيضاء، وقيل هم القصّارون الذين يقومون بتحوير الثياب، وقيل هم الصيّادون أو المجاهدون، وذهب البعض إلى أن الحواريين هم الملوك.
ويمكن الرجوع لكتاب زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي للمزيد من التوضيح.
توضيحات المراغي لمعنى الآية
يبين المراغي في تفسيره للآية أن عيسى -عليه السلام- عندما شعر بإصرار قومه على الكفر والإيذاء، توجه إلى الحواريين بالسؤال: من هم الذين يعاونونني وينضمون إلى صف الله -تعالى- لنصرتي، ويظهرون استعدادًا كاملاً لمتابعتي وترك تقاليدهم البالية؟ فأجاب الحواريون، وهم خاصة أصحابه وأتباعه، قائلين: نحن أنصار الله، مستعدون لبذل كل ما في وسعنا لتأييد دعوتك والالتزام بدينك، ونشهد على إسلامنا وانقيادنا وإخلاصنا.
وقد أفاض المراغي في كتابه تفسير المراغي في شرح هذه الآية.
العبر المستفادة من الآية
تتضمن الآية الكريمة (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) دروسًا وفوائد جمة، منها:
- إن الآيات الكونية ومعجزات الرسل مهما عظمت وكثرت، قد لا تجد استجابة إذا لم يكن لدى المدعو استعداد داخلي لتقبل الدعوة. وهذا يمثل تسلية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مواجهة التحديات.
- النصر لا يقتصر على القتال، بل يتحقق أيضًا بالدعوة إلى الله والعمل الجاد لنشر كلمة التوحيد وإعلاء شأن الدين الإسلامي.
- الإيمان بالله -عز وجل- يستوجب معاونة أولياء الله ونصرة دينه الحق ومحاربة أعدائه.
- طلب الحواريون من النبي عيسى -عليه السلام- أن يشهد على إسلامهم، لأن الرسل الكرام يشهدون على أقوامهم يوم القيامة.
- الإسلام هو الدين الحق الذي أرسل الله به جميع الأنبياء والرسل الكرام.
قال -تعالى- فيسورة آل عمران:(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّـهِ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)
المصادر
- الطبري، أبو جعفر. تفسير الطبري.
- ابن الجوزي. زاد المسير في علم التفسير.
- المراغي، أحمد بن مصطفى. تفسير المراغي.