معنى قوله تعالى “إن شانئك هو الأبتر” – شرح وتفصيل

استكشاف سورة الكوثر ومعانيها. تحليل عميق لآية ‘إن شانئك هو الأبتر’ وبلاغتها. نظرة شاملة للمراجع المرتبطة.

تقديم حول سورة الكوثر

سورة الكوثر هي سورة مكية، نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة. يبلغ عدد آياتها ثلاث، وتعتبر الأقصر في القرآن الكريم من حيث عدد كلماتها وحروفها. تتساوى سورة الكوثر مع سور العصر والنصر في عدد الآيات، ولكنها تتميز بقلة عدد الكلمات. تتكون سورة الكوثر من عشر كلمات وتحتوي على اثنين وأربعين حرفًا.

تخاطب السورة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حاملةً بشرى من الله عز وجل بأنه قد منحه الخير الوفير في الدنيا والآخرة. وتدعو السورة النبي إلى شكر الله على هذه النعم بالإقبال على العبادة والإخلاص له. وتوضح السورة أن الكمال الحقيقي ليس فيما يراه المشركون من المال والسلطان، بل في الإيمان والعمل الصالح. كما تؤكد السورة أن انقطاع النسل الذكوري لا يقلل من قيمة الإنسان، فقد كان المشركون يعيّرون النبي صلى الله عليه وسلم بقلة أتباعه وفقرهم وبأن أولاده الذكور يموتون صغارًا، في مجتمع كان يفضل الذكور ويعتمد على القوة والسيف.

نزلت هذه السورة لتدافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وتبيّن المقياس الحقيقي لقيمة الإنسان عند الله.

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)

تعتبر هذه الآية الكريمة، وهي الآية الثالثة من سورة الكوثر، ردًا قاطعًا على أقوال سفهاء قريش والمشركين الذين كانوا يصفون الرسول صلى الله عليه وسلم بالأبتر لعدم وجود ذرية ذكورية باقية له. كانوا يقولون: “أبتر، فإذا مات استرحنا منه وانتهى ذكره”. فجاء رد الله عز وجل في هذه الآية:

(إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)

لتوضيح أن المنقطع عن الخير وعن رحمة الله هو المبغض للنبي صلى الله عليه وسلم، وليس النبي صلى الله عليه وسلم نفسه.

كلمة (شَانِئَكَ) تعني: مبغضك، وكارهك. أما كلمة (الْأَبْتَرُ) فتعني: المنقطع نسله وعقبه، أو المقطوع عن كل خير وبركة.

اختلف العلماء في تحديد الشخص الذي نزلت فيه الآية على وجه الخصوص، وذكروا عدة أقوال منها:

  • القول الأول: أنها نزلت في العاص بن وائل السهمي.
  • القول الثاني: أنها نزلت في عقبة بن أبي مُعيط.
  • القول الثالث: أنها نزلت في جماعة من قريش.

بغض النظر عن صحة هذه الروايات وتفاوتها، فإن الآية الكريمة تحمل معنى أوسع وأشمل، فهي تشير إلى أن كل من يبغض الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأذلّ والأقلّ والمنقطع عن كل خير، سواء كان شخصًا معينًا أو جماعة من الناس. فالعبرة بعموم اللفظ، وتعتبر هذه الروايات أمثلة توضيحية فقط. ويبقى المعنى العام للآية شاملاً لكل من يبغض الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة.

الجوانب البلاغية في الآية الكريمة

استخدام ضمير الفصل (هو) في قوله تعالى:

(إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)

يفيد القصر، أي قصر صفة (الْأَبْتَرُ) على الموصوف وهو مبغض النبي صلى الله عليه وسلم. فالمعنى يصبح: أن مبغضك هو المنقطع عن كل خير، وليس أنت يا محمد. هذه الصيغة البلاغية تنفي صفة الأبتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وتثبتها لمبغضه وكارهه.

المصادر والمراجع

  • مجموعة من المؤلفين، كتاب التفسير الوسيط _ مجمع البحوث، صفحة 2030. بتصرّف.
  • ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 572. بتصرّف.
  • محمد الأمين الهرري، تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن، صفحة 374. بتصرّف.
  • ابن عطية، تفسير ابن عطية المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، صفحة 530. بتصرّف.
  • الزجاج، معاني القرآن وإعرابه، صفحة 370. بتصرّف.
  • سليم الهلالي، الاستيعاب في بيان الأسباب، صفحة 565-569. بتصرّف.
  • الطبري، تفسير الطبري جامع البيان، صفحة 658. بتصرّف.
  • مساعد الطيار، تفسير جزء عم للشيخ مساعد الطيار، صفحة 249. بتصرّف.
  • سورة الكوثر، آية:3
Total
0
Shares
المقال السابق

تأملات في آية زلزلة الساعة: دلالات وعِبر

المقال التالي

استيعاب معاني الآية (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله)

مقالات مشابهة