معنى الآية الكريمة (وجعلنا من الماء كل شيء حي)

شرح وتوضيح للآية القرآنية (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) من خلال تفاسير مختلفة. استكشاف المعنى اللغوي للماء وأهميته في القرآن الكريم.

مقدمة

تعتبر الآيات القرآنية الكريمة كنوزًا زاخرة بالمعاني والدلالات، وتستدعي تدبرًا عميقًا لفهم مراد الله -عز وجل- وهدايته. ومن بين هذه الآيات العظيمة، قوله -تعالى-: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) [الأنبياء: 30]. هذه الآية تحمل في طياتها إشارة واضحة إلى أهمية الماء في حياة كل الكائنات الحية، وتستدعي الوقوف عندها للتأمل في عظمة الخالق وقدرته.

تأملات في تفسير الآية (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)

تحظى هذه الآية بأهمية كبيرة في الدراسات الإسلامية، وقد تناولها العديد من العلماء والمفسرين بالشرح والتوضيح. تهدف هذه المقالة إلى استعراض بعض التفاسير المختلفة لهذه الآية، وتسليط الضوء على المعاني والدلالات المستنبطة منها، بالإضافة إلى استكشاف المدلول اللغوي لكلمة “الماء” وأهميتها في القرآن الكريم.

رأي الإمام الطبري في تفسير الآية

ذكر الإمام الطبري في تفسيره لقوله -تعالى-: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ):

“قوله (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)، أي وأحيينا بالماء الذي ننزله من السماء كلّ شيء، وأن كلّ شيء حيّ خُلق من الماء. قد يسأل سائل: قد علمت أن النبات والأشجار تحيا بالماء، وغير ذلك مما لا حياة له، ولا يقال له حيّ ولا ميت؟، والجواب: لا شيء من ذلك إلا وله حياة وموت، وإن خالف معناه في ظاهره ذوات الأرواح؛ فلذلك قيل (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ).”

يشير الطبري إلى أن الآية تؤكد على أن الماء هو أساس الحياة لكل شيء، سواء كان نباتًا أو حيوانًا. ويضيف أن كل شيء في هذا الكون له حياة وموت، حتى وإن لم يكن ذلك ظاهرًا للعيان.

نظرة في تفسير المنير

ذكر الزحيلي في تفسيره للآية الكريمة ما يأتي:

“أي وخلقنا كل حيوان فيه حياة من الماء، كقوله -تعالى-: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ)، فكل حيوان من نطفة والتي هي ماء، ولا ينبت النبات إلا بالماء. في كل شيء له آية تدل على أن الله -سبحانه- واحد لا شريك له؛ فكيف لا يتدبرون هذه الأدلة وهم يشاهدون عياناً حدوث المخلوقات شيئاً فشيئاً.”

يوضح الزحيلي أن الآية تدل على أن الماء هو أصل خلق كل دابة، وأن النبات لا ينمو إلا بالماء. ويؤكد على أن هذه الأدلة الواضحة تدعو إلى التدبر والتفكر في عظمة الخالق.

إضاءات من تفسير الوسيط

في تفسير الشيخ الطنطاوي للآية الكريمة ذكر جملة من الفوائد والأقوال لعلماء سابقين بتفسير الآية الكريمة، ومن ذلك ما يأتي:

“قال -تعالى-: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)، تأكيد لمضمون ما سبق من الآيات، وتقرير لوحدانية الله ونفاذ قدرته- سبحانه-، والجعل بمعنى الخلق. أي خلقنا من الماء بقدرتنا النافذة، كل شيء متصف بالحياة الحقيقية وهو الحيوان، أو كل شيء نامٍ فيدخل بذلك النبات، ويراد من الحياة ما يشمل النمو. هذا العام مخصوص بما سوى الملائكة والجن مما هو حي؛ لأن الملائكة كما جاء في بعض الأخبار خلقوا من النور، والجن مخلوقون من النار. ذكر العلماء في هذه الآية الكريمة ثلاث تأويلات؛ أحدها: أنه خلق كل شيء من الماء، الثاني: حفظ حياة كل شيء بالماء، الثالث: وجعلنا من ماء الصلب -والمراد النطفة- كل شيء حي. قال -تعالى-: (أَفَلا يُؤْمِنُونَ)، إنكار لعدم إيمانهم مع وضوح كل ما يدعو إلى الإيمان الحق، والفاء للعطف على أمر مقدر يستدعيه هذا الإنكار. أيشاهدون بأعينهم ما يدل على وحدانية الله وقدرته ومع ذلك لا يؤمنون، إن أمرهم هذا لمن أعجب العجب وأغرب الغرائب!”

يلخص الطنطاوي تفسير الآية، مؤكدًا على أنها تدل على وحدانية الله وقدرته، وأن الماء هو أصل خلق كل شيء حي، باستثناء الملائكة والجن. ويشير إلى أن هذه الأدلة الواضحة تستدعي الإيمان بالله -عز وجل-.

أصل كلمة الماء في اللغة

المعاجم اللغوية توضح الأصول اللغوية للفظة الماء التي وردت في الآية الكريمة:

المياه في اللغة جمع ماء والماء معروف، والهمزة فيه مبدلة من الهاء وأصله موه بالتحريك تحولت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ثم أبدلت الهاء همزة، ويجمع على أمواه جمع قلة، وعلى مياه جمع كثرة. تصغير الماء مُوَيْه، والنِّسْبَةُ إلى الماء: ماهي، وماهتِ السَّفينةُ تَمُوهُ وتَماهُ، إذا دَخَلَ فيها الماءُ، وأَماهتِ الأرضُ، أي: ظَهَر فيها النَّزُّ. الماء مدّته في الأصل زيادة، وإنّما هي خَلَفٌ من هاء محذوفة، وفي الجمع: مياه، ومن العرب من يقول: هذه ماءة كبني تميم، يعنون الرّكيّة بمائها، ومنهم من يؤنثها، فيقول: ماة واحدة مقصورة، ومنهم: من يمدّها، فيقول: ماء كثير على قياس شاة وشاء.

يشير هذا إلى أن كلمة “الماء” لها أصل لغوي عميق في اللغة العربية، ولها دلالات مختلفة تعكس أهميتها في حياة الناس.

دلالات الماء في القرآن الكريم

لفظ الماء الوارد في الآيات الكريمة ورد ذكره بذلك الموضع وبمواضع أخرى من القرآن الكريم، وقد حمل في طياته العديد من المعاني والمفاهيم، ومن ذلك:

  • أن الماء أصل جميع المخلوقات الحية بكل أنواعها وأشكالها. قال -تعالى-: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء). قال ابن كثير: يذكّر -تعالى- قدرته التامة، وسلطانه العظيم، في خلقه أنواع المخلوقات، على اختلاف أشكالها وألوانها، وحركاتها وسكناتها، من ماء واحد.
  • أن أمر الماء بيد الله -سبحانه- وأن الإنسان لا يملك حفظه أو تخزينه إلا بمشيئة الله؛ قال -تعالى-: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ). قال ابن كثير في تفسيره: لا يقدر على فعل ذلك إلا الله -عز وجل-؛ فمن فضله وكرمه أن أنبع لكم المياه، وأجراها في سائر أقطار الأرض بحسب ما يحتاج العباد إليه من القلة والكثرة.
  • أن الماء وسيلة لنظافة الإنسان وطهارته. قال -تعالى-: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ). قال الألوسي في تفسيره: أي ليطهركم من الحدث الأصغر والأكبر.

توضح هذه النقاط أن الماء ليس مجرد سائل، بل هو عنصر أساسي للحياة، وهو نعمة من الله -عز وجل- يجب المحافظة عليها وشكره عليها.

خلاصة

في الختام، يمكن القول إن الآية الكريمة (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) تحمل في طياتها معاني عظيمة ودلالات عميقة، تؤكد على أهمية الماء في حياة كل الكائنات الحية، وتستدعي التدبر والتفكر في عظمة الخالق وقدرته. إن الماء نعمة عظيمة يجب المحافظة عليها وشكر الله عليها.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

استضـاءات حول قوله تعالى: “وآتاكم من كل ما سألتموه”

المقال التالي

تأملات في قوله تعالى: “كانوا قليلا من الليل ما يهجعون”

مقالات مشابهة