معركة الخندق: سياقها وأحداثها ونتائجها

استكشاف تفصيلي لمعركة الخندق: الأسباب التي أدت إليها، ملخص لأهم الأحداث، والنتائج الحاسمة التي ترتبت عليها، مع ذكر المراجع الموثوقة.
فهرس المحتويات
السياق التاريخي لغزوة الخندق
الدوافع وراء نشوب غزوة الخندق
عرض موجز لأحداث غزوة الخندق
النتائج والتداعيات اللاحقة لغزوة الخندق
المصادر والمراجع

السياق التاريخي لغزوة الخندق

وقعت معركة الخندق، المعروفة أيضًا بغزوة الأحزاب، في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة النبوية الشريفة، وذلك وفقًا لرأي أغلبية العلماء والمؤرخين، بمن فيهم ابن إسحاق وعروة بن الزبير والبيهقي وقتادة وابن القيم والذهبي رحمهم الله جميعًا. امتدت هذه الغزوة طوال شهر شوال وذي القعدة وجزء من ذي الحجة. قام المشركون من قبيلة قريش بالتحالف مع مقاتلين من غطفان وبني مرة وجماعات أخرى، وتجمعوا على مشارف المدينة المنورة استعدادًا للمعركة.

تعرف هذه الغزوة أيضًا باسم غزوة الأحزاب، ويعود سبب تسميتها بغزوة الخندق إلى الخندق الذي قام الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه باقتراح حفره. كانت هذه الطريقة الدفاعية معروفة في بلاد فارس، ولم تكن مألوفة لدى العرب. وقد لاقت هذه الفكرة إعجاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فأمر بتنفيذها. أما تسمية الأحزاب، فقد ورد ذكرها في القرآن الكريم، حيث سميت سورة كاملة بسورة الأحزاب، وذلك بسبب تجمع المشركين والأعداء الكثيرين من قريش وغطفان واليهود وغيرهم في مكان واحد، وتحزبهم بهدف القضاء على المسلمين بضربة واحدة. وقد وصف الله سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب صعوبة الأحداث والرعب الذي صاحب هذه الغزوة، حيث قال جل وعلا: ﴿إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّـهِ الظُّنُونَا﴾.

الدوافع وراء نشوب غزوة الخندق

تضافرت قوى الشرك من قريش وغطفان وبني مرة وبني فزارة وبني أسد وبني أشجع وغيرهم لقتال المسلمين. وكان الدافع الحقيقي وراء هذا التحرك هو تحريض اليهود، وعلى رأسهم حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف، الذين حملوا في قلوبهم الحقد والكراهية للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين. توجه هؤلاء اليهود نحو قريش وحرضوهم، وأخبروهم أن دينهم أفضل وأهدى من دين محمد عليه الصلاة والسلام، فأنزل الله تعالى قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَـٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾. وقد طافوا بالقبائل لإقناعهم بالمشاركة، فاستجابت لهم قبائل كثيرة، واجتمع حشد كبير من المشركين وتوجهوا نحو مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عرض موجز لأحداث غزوة الخندق

فوجئ المشركون بالأسلوب الدفاعي الجديد الذي اتبعه المسلمون، فقد كان الخندق فكرة مبتكرة. لم يكتف الرسول صلى الله عليه وسلم بإعداد الخندق مع الصحابة، بل جمعهم ونظم صفوفهم ونقاط حراستهم، وشكل كتائب قتالية لمنع أي اختراق للخندق. تحمّل الرسول والصحابة المشقة في حفر الخندق، وبلغ بهم الجوع مبلغه. وعلى الرغم من التعب والخوف الذي تملك المسلمين، ظل الرسول صلى الله عليه وسلم مصدرًا للأمل والثقة بالله تعالى. فقد اعترضت المسلمين صخرة كبيرة لم يستطيعوا تفتيتها، فاشتكى الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، فأخذ المِعولَ وقال: ﴿بسمِ اللهِ، فضرب ضربةً فكسر ثُلُثَها، وقال: اللهُ أكبرُ أُعْطِيتُ مَفاتيحَ الشامِ، واللهِ إني لَأُبْصِرُ قصورَها الحُمْرَ الساعةَ، ثم ضرب الثانيةَ فقطع الثلُثَ الآخَرَ فقال: اللهُ أكبرُ، أُعْطِيتُ مفاتيحَ فارسٍ، واللهِ إني لَأُبْصِرُ قصرَ المدائنِ أبيضَ، ثم ضرب الثالثةَ وقال: بسمِ اللهِ، فقطع بَقِيَّةَ الحَجَرِ فقال: اللهُ أكبرُ أُعْطِيتُ مَفاتيحَ اليَمَنِ، واللهِ إني لَأُبْصِرُ أبوابَ صنعاءَ من مكاني هذا الساعةَ﴾.

بدأ المسلمون برمي النبال لمنع المشركين من عبور الخندق، ومع ذلك تمكن عدد قليل من المشركين من التسلل، ودارت مبارزات بينهم وبين الصحابة، حيث بارز الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عمرو بن عبد ود وقتله، وفر بقية المشركين المتسللين. من شدة المعارك الدائرة، تأخرت صلاة العصر على المسلمين بسبب انشغالهم بالقتال والدفاع عن المدينة، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ﴿مَلَأَ اللَّهُ عليهم بُيُوتَهُمْ وقُبُورَهُمْ نَارًا، كما شَغَلُونَا عن صَلَاةِ الوُسْطَى حتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ﴾.

لم يقتصر دور اليهود على التحريض فقط، بل امتد إلى الخيانة. عندما علم النبي صلى الله عليه وسلم بخيانتهم، أرسل عددًا من الصحابة للتأكد من الأمر، وأوصاهم بإرسال إشارة يفهمها إذا تأكدوا من خيانتهم، حتى لا يشعر المسلمون بالخوف في ظل الظروف الصعبة. عاد الصحابة وأخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم بخيانة اليهود ونقضهم للعهد، فعادوا للرسول وقالوا: “عضل والقارّة”، وهي قصّةٌ دالّةٌ على الخيانة، فردّ الرسول بأنها بشارة خير، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الأيام: ﴿اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اللَّهُمَّ اهْزِمِ الأحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وزَلْزِلْهُمْ﴾.

النتائج والتداعيات اللاحقة لغزوة الخندق

حدث تحول مفاجئ في نهاية الغزوة، حيث أسلم الصحابي الجليل نعيم بن مسعود رضي الله عنه، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه، وطلب منه أن يأمره بما شاء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿الحربَ خُدعةٌ﴾. فقام الصحابي نعيم بزرع الفتنة بين اليهود والمشركين، مما أدى إلى تفريق صفوفهم. أرسل الله جنوده، وأرسل الملائكة لتثبيت المؤمنين، وبعث ريحًا عاتية دمرت خيام الأعداء وقلبت قدورهم، وألقت الرعب في قلوبهم، فقرروا العودة خائبين مهزومين. نصر الله عبده وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده. أرسل النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان لاستطلاع أخبارهم، فعاد ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يستعدون للرحيل والانسحاب، وأن الله ردهم خائبين.

المصادر والمراجع

  • موسى شاهين لاشين (2002)،فتح المنعم شرح صحيح مسلم(الطبعة الأولى)، القاهرة: دار الشروق، صفحة 291، جزء 7.
  • أحمد أحمد غلوش (1424هـ- 2004م)،كتاب السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني(الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 424. بتصرّف.
  • محمد أبو زهرة (1425 هـ)،خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم(الطبعة الأولى)، القاهرة: دار الفكر العربي، صفحة 712، جزء 2.
  • أحمد أحمد غلوش (2004)،السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني(الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 425.
  • عبد السلام العامر،فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباريصفحة 36، جزء 2. بتصرّف.
  • سورة الأحزاب، آية: 10.
  • عبد السلام العامر،فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري، صفحة 36-37، جزء 2. بتصرّف.
  • سورة النساء، آية: 51.
  • سعيد حوى (1995)،الأساس في السنة وفقهها – السيرة النبوية(الطبعة الثالثة)، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 666، جزء 2. بتصرّف.
  • محمد بن محمد العواجي (2004)،مرويات الإمام الزهري في المغازي(الطبعة الأولى)، صفحة 484، جزء 1. بتصرّف.
  • رواه ابن حجر العسقلاني، في فتح الباري لابن حجر، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 458/7، إسناده حسن.
  • ابن كثير (2003)،البداية والنهاية، دار عالم الكتب، صفحة 16-18، 28، جزء 6. بتصرّف.
  • أبراغب السرجاني (2010/04/17)،”غزوة الخندق (غزوة الأحزاب)”،www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 1-1-2020. بتصرّف.
  • رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 4111، صحيح.
  • رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن أبي أوفى، الصفحة أو الرقم: 2933، صحيح.
  • أبصفي الرحمن المباركفوري (1427هـ)،الرحيق المختوم(الطبعة الأولى)، بيروت: دار الهلال، صفحة 284-286، جزء 1. بتصرّف.
  • ابن هشام،السيرة النبوية، صفحة 222، جزء 2. بتصرّف.
  • رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 3030، صحيح.
Total
0
Shares
المقال السابق

لمحة عن غزوة الأحزاب: الأسباب والنتائج

المقال التالي

لمحة عن غزوة بدر التاريخية

مقالات مشابهة