فهرس المحتويات
الإعجاز البياني في كتاب الله
يُعتبر الإعجاز البياني من أبرز معجزات القرآن الكريم، وهو أول ما ظهر من معجزاته. تتجلى أهميته في ارتباطه الوثيق ببنية اللغة العربية، وأسلوبها البديع. وقد أسهب العديد من العلماء، منهم الباقلاني في كتابه “إعجاز القرآن” والجرجاني في “دلائل الإعجاز”، في دراسة هذا النوع من الإعجاز.
يتمثل هذا الإعجاز في فصاحة القرآن الكريم وبلاغته التي لم يستطع أحد من البشر أن يضاهيها، مهما بلغت قدرته على الكلام. بلاغة القرآن بلغت حد المعجزة، فلا يمكن لأحد أن يُقارب مثل هذا النمط من الفصاحة والبلاغة، ولا حتى آية واحدة منه.
يتجلى الإعجاز في أسلوب القرآن الكريم وطريقة نظمه في العديد من الجوانب، منها:
- دمج أسلوب الموعظة والتشريع بشكل متناغم.
- تنوع أشكال البلاغة العربية.
- تجنب التكرار غير المبرر، كما في قوله تعالى: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) [التحريم: 4]، حيث بدأ بلفظ المثنى وانتهى بالجمع.
- براعة في استخدام أشكال الخطاب المختلفة (الأمر، النهي، الإباحة)، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء: 58]، وقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) [البقرة: 183].
- طريقة فريدة في سرد القصص، بعيدة عن أسلوب القصص الأدبية المعتادة.
أما الإعجاز البياني في القصص القرآني، فيتمثل في أسلوب السرد البديع، الذي يجمع بين دقة الأحداث التاريخية وبين فن السرد القصصي، دون اللجوء للخيال أو التأويل.
الإعجاز العلمي: حقائق قرآنية سبقت عصرها
يتمثل الإعجاز العلمي في ذكر القرآن الكريم لظواهر كونية لم تكن معروفة في زمن نزول الوحي، لكن العلم الحديث أثبت صحتها، مما يُؤكد صدق النبي ﷺ فيما بلغ عن الله تعالى. ومن الأمثلة على ذلك:
- قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) [الرعد: 2]. يُشير العلم الحديث إلى أن السماء معلقة بقوى المجال الكوني.
- قوله تعالى: (وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) [الطارق: 12]، وهو ما يُشير إلى وجود الصدوع الأرضية.
الإعجاز الغيبي: ما وراء الحواس
يشمل الإعجاز الغيبي الأحداث والوقائع التي كانت غائبة عن النبي ﷺ، سواءً في الماضي أو الحاضر أو المستقبل. وهو ينقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
غيب الماضي: أحداث وقعت قبل البعثة النبوية، ولم يكن النبي ﷺ يعلم بها، إلا بوحي من الله تعالى. مثل قصة مريم وزكريا عليه السلام، كما جاء في قوله تعالى: (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) [آل عمران: 44].
غيب الحاضر: أحداث وقعت في زمن النبي ﷺ، لكنه لم يكن شاهداً عليها، مثل وصف المنافقين وأحوالهم، كما جاء في قوله تعالى: (وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ* وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ) [آل عمران: 166-167].
غيب المستقبل: أحداث ستقع في المستقبل، وقد وقعت بالفعل، سواءً في زمن النبي ﷺ أو بعد وفاته. مثل خبر موت أبي لهب على الكفر، كما جاء في قوله تعالى: (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ* سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ* وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* في جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) [المسد: 1-5].