المحتويات:
نظرة عامة على سورة المسد
سورة المسد، والتي يطلق عليها أيضاً سورة “تبت”، هي سورة مكية، تُعتبر السادسة في ترتيب النزول القرآني بعد الفاتحة وقبل التكوير، وتتكون من خمس آيات. وقد سماها بعض العلماء بسورة “أبي لهب” نظراً لذكر اسمه فيها. لم يُنزل الله سورة كاملة في ذم شخص معين إلا هذه السورة، وذلك بسبب عداوة أبي لهب وزوجته الشديدة للإسلام وللرسول صلى الله عليه وسلم. لم تنفع أبا لهب قرابته من الرسول، ولم تؤثر عداوته في عزيمة النبي صلى الله عليه وسلم، على الرغم من أن إيذاء الأقارب أمر صعب على النفس.
لا صحة لما يعتقده البعض من كراهة قراءة هذه السورة، أو أنها تؤذي الرسول صلى الله عليه وسلم، لمجرد أنها تتحدث عن عمه. هذا اعتقاد خاطئ، فالله أعلم بما يؤذي نبيه، والرسول هو أشد الناس عبادة لله، وهو أولى من يحب ويكره في الله. ولو كان البراء من عمه أبي لهب يؤذيه، لما نزلت هذه السورة.
حماية الله لنبيه الكريم
قال الله تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ). هذه الآية تحمل دعاء من الله بالهلاك والخسران على عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو عبد العزى بن عبد المطلب. كان يكنى في الجاهلية بأبي لهب لحسن وإشراق وجهه. ذكره الله بكنيته لا باسمه، لأن اسمه فيه عبادة العزى، وقيل لأن اللهب مناسب للعذاب الذي ينتظره.
التباب هو الخسران، ومثاله قول الله تعالى عن فرعون: (وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ). أسند الله الهلاك إلى يدي أبي لهب، لأن العمل لا يكون إلا بهما، وقد يراد بذكر الجزء الكل، أي تبت نفس أبي لهب بسبب عمله.
التب الأولى هي دعاء عليه في الدنيا بالخسران، والتب الثانية جملة خبرية تفيد تحقق الخسران. وفي هذا إعجاز للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان بإمكان أبي لهب أن يكذب هذه الآية بإسلامه، لكن كلام الله أحكم وحكمه أنفذ.
زوال قيمة المال والذرية بدون طاعة الله
قال الله تعالى: (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ). هذه الآية تبين أن المال والولد لا يغنيان عن عذاب الله شيئاً، ولا يردان القدر. روي عن ابن مسعود أن أبا لهب كان يقول: “إن كان ما يقول ابن أخي حقاً، فسأفتدي نفسي بمالي وولدي”. وفي الآية رد عليه وعلى غيره ممن يغتر بكثرة المال والولد.
كلمة “سيصلى” بدأت بالسين لتحقيق وقوع العذاب عليه، وهو النار. “صُلي” بالنار أي شوي بها، ووصفت النار بأنها ذات لهب، إشارة إلى كنية أبي لهب، لزيادة التناسب بين اسم أبي لهب وبين النار ذات اللهب.
مصير من يعادي المؤمنين
قال الله تعالى: (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ). كانت أم جميل، زوجة أبي لهب، تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضع الشوك في طريقه لتعيقه عن أداء مهامه. كانت تحمل الحطب على ظهرها وهو الشوك لتؤذي به الرسول صلى الله عليه وسلم.
جزاؤها على ذلك الفعل في الآخرة هو أن الله وعدها بحبل من نار يلف حول عنقها، فأبدل الله مجوهراتها وذهبها الذي كانت تلبسه في رقبتها في الدنيا، بذلك العذاب في الآخرة.
السبب وراء نزول سورة المسد
نزلت سورة المسد في بداية البعثة، في العام الرابع منها. سبب نزولها أنه لما نزل قول الله تعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)، صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبل الصفا، ونادى في مجاميع قريش “واصباحاه”، وهي كلمة تقال للتحذير والإنذار من عدو يريد الإغارة على القوم. فاجتمعت قريش تريد معرفة الخبر، وقالوا: (ما لَكَ؟ قالَ: أرَأَيْتُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ العَدُوَّ يُصَبِّحُكُمْ أوْ يُمَسِّيكُمْ، أما كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟ قالوا: بَلَى، قالَ: فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، فَقالَ أبو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، ألِهذا جَمَعْتَنَا؟ فأنْزَلَ اللَّهُ:”تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ”).