مقدمة في سورة القمر
سنقوم بتناول سورة القمر وتقسيمها إلى أجزاء، بحيث يختص كل جزء بفكرة رئيسية. سنقدم شرحاً مبسطاً ومفصلاً لكل جزء، مستعينين بالله تعالى.
نظرة عامة على سورة القمر
سورة القمر هي سورة مكية تتكون من خمس وخمسين آية. وسبب نزولها يرجع إلى طلب المشركين من النبي محمد صلى الله عليه وسلم معجزة، فانشق القمر مرتين. ادعى الكفار أن هذا سحر من النبي صلى الله عليه وسلم. وللتأكد من ذلك، قرروا سؤال المسافرين. وعندما سألوا المسافرين، أكدوا لهم رؤيتهم لانشقاق القمر، لكنهم لم يؤمنوا رغم ذلك.
الأهداف الأساسية لسورة القمر
تتناول هذه السورة قضايا أساسية في العقيدة الإسلامية، بما في ذلك نزول القرآن الكريم، ومشاهد يوم القيامة، وعقاب الكافرين، وثواب المؤمنين. كما تسلط الضوء على تكذيب المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم على الرغم من رؤيتهم معجزة انشقاق القمر الواضحة. تحتوي السورة أيضاً على قصص بعض الأمم السابقة والعذاب الذي حل بهم، كتحذير للمشركين في مكة من أن يصيبهم نفس المصير.
المراجع والمصادر
تستند هذه المقالة إلى مصادر موثوقة في تفسير القرآن الكريم والسيرة النبوية.
المقطع الأول: اقتراب الساعة وانشقاق القمر
قال الله -تعالى-: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ الْأَنبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ * خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ * مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَـذَا يَوْمٌ عَسِرٌ).
تشير هذه الآيات إلى قرب قيام الساعة وإلى معجزة انشقاق القمر. ومع ذلك، استمر المشركون في تكذيبهم، زاعمين أن هذا سحر مستمر من النبي صلى الله عليه وسلم. كان سبب تكذيبهم هو اتباعهم لأهوائهم وتزيين الشيطان لأعمالهم. توضح الآيات أن كل شيء سيستقر في نهاية المطاف، سواء كان خيراً أم شراً. لقد جاءهم القرآن الكريم بأخبار الأمم السابقة كعبرة وعظة.
القرآن حكمة بالغة، ولكن من لم يهتد بها فلن تنفعه الإنذارات. ثم تأمر الآيات النبي صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن المكذبين وانتظار مصيرهم عند قيام الساعة، عندما ينفخ إسرافيل في الصور، وهي دعوة مخيفة وشديدة على النفوس. سيخرجون من قبورهم مسرعين وأبصارهم ذليلة، وينتشرون في أرض المحشر كأنهم جراد منتشر، مستجيبين لدعوة إسرافيل بسرعة، قائلين: “هذا يوم عسير”.
المقطع الثاني: قصة قوم نوح
قال -تعالى-:(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ * وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ).
توضح الآيات الكريمة جزءًا من قصة نوح -عليه الصلاة والسلام-، وكيف اتهمه قومه بالجنون وهددوه بأنواع العذاب إذا لم يتوقف عن دعوته. ولكنه لجأ إلى الله بالدعاء، فاستجاب له ربه بأن أنزل من السماء ماءً غزيراً وأخرج من الأرض عيوناً كثيرة، فكان هذا الماء هلاكاً للمكذبين ونجى الله عباده بالسفينة المصنوعة من ألواح الخشب والمسامير.
كانت هذه القصة وهذا الهلاك عبرة وعظة لمن يتدبر. ثم يهدد الله السامعين بقدرته على تعذيب المكذبين حتى لا يكونوا مثلهم، ويختم بأنه جعل القرآن ميسراً للفهم والحفظ والتدبر.
المقطع الثالث: قصة قوم عاد
قال -تعالى-:(كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَّحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ * تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ).
تبين الآيات الكريمة أن قوم عاد كذبوا رسولهم هود -عليه الصلاة والسلام- فكان مصيرهم العذاب الشديد بريح شديدة البرودة في يوم مشؤوم استمر فيه العذاب طويلاً، فكانت الريح تحمل الناس من مواضعهم ثم تلقي بهم على رؤوسهم، وتتركهم كأنهم نخل مقطَّع. ثم تعقب الآيات بنفس تعقيبها على عذاب قوم نوح -عليه الصلاة والسلام-.
المقطع الرابع: قصة ثمود
قال -تعالى-:(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ * فَقَالُوا أَبَشَرًا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ * إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ * وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ * فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ).
تبين الآيات أن ثمود كذبوا نبيهم صالح -عليه الصلاة والسلام-، ولم يعجبهم أن ينزل عليه الوحي من بينهم ويتبعوه كلهم وهو فرد واحد، ويدعون أنه كذاب متجبر، فيأتيهم التهديد بيوم القيامة وعندها سيتضح من هو الكذاب المتجبر.
ثم أرسل الله -سبحانه وتعالى- معجزة لإثبات صدق نبيه صالح -عليه الصلاة والسلام- وهي الناقة، وأمره أن ينتظر ما سيحل بهم وأن يبين لهم أن عليهم تقسيم الماء بينهم وبين الناقة، ولكنهم عقروا الناقة، فعذبهم الله -سبحانه وتعالى- بالصيحة فأصبحوا كالزرع اليابس التالف من مشي المواشي عليه.
المقطع الخامس: قصة قوم لوط
قال -تعالى-:(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ * نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ * وَلَقَدْ أَنذَرَهُم بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ * وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ * فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ).
تبين الآيات مصير تكذيب قوم لوط -عليه الصلاة والسلام- وهو العذاب بالحجارة في الصباح، وكيف نجَّا آل لوط في آخر الليل الذي سبقه. وقد بلغ بهؤلاء الكفرة أن يطلبوا من لوط -عليه الصلاة والسلام- أن يفعلوا الفاحشة مع ضيوفه الملائكة.
المقطع السادس: قصة آل فرعون
قال -تعالى-:(وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ).
تبين الآيتان أن الله -عز وجل- بعث لقوم فرعون من ينذرهم ويبين لهم الآيات الكثيرة، ولكنهم كذبوا فعذبهم بقوة واقتدار.
المقطع السابع: تهديد الكافرين ووعد المؤمنين
قال -تعالى-:(أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَـئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ * إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ * وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ * إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ).
تهدد الآيات الأخيرة كفار قريش بمصير كمصير الكفار السابقين الذين ذُكروا في السورة، وأن جموعهم لن تنفعهم، وتظهر لهم شيئاً من العذاب الذي ينتظرهم في الآخرة. وفي المقابل، تبين إكرام المؤمنين بإجلاسهم عند ربهم -سبحانه وتعالى-.