تمهيد عن سورة النجم
سورة النجم هي سورة مكية، يبلغ عدد آياتها اثنتان وستون آية وفقاً للعد الكوفي، وواحد وستون آية عند علماء آخرين. نزلت بعد سورة الإخلاص، مما يجعلها من أوائل السور التي نزلت على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، حيث تحتل المرتبة الثالثة والعشرين من حيث ترتيب النزول، والمرتبة الثالثة والخمسين في ترتيب المصحف الشريف. تعرف هذه السورة باسم “النجم” أو “والنجم”، وتعد أول سورة نزلت وفيها سجدة.
المقطع الأول: القسم بالنجم وبيان الوحي (1-18)
تبدأ هذه المجموعة من الآيات بقسم الله تعالى بالنجم حين يهوي، مؤكدة أن النبي محمدًا -صلى الله عليه وسلم- لم يضل عن طريق الحق والهداية، ولم يحد عن الصواب، بل هو في قمة الاستقامة والاعتدال. ولا يتكلم عن هوى نفسه، بل ما يقوله هو وحي من الله سبحانه وتعالى، سواء كان قرآناً أو سنة نبوية.
يتم الوحي عن طريق تعليم جبريل -عليه السلام- للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو المَلَك القوي ذو المنظر الحسن، الذي ظهر واستوى على صورته الحقيقية للرسول -صلى الله عليه وسلم- عند الأفق الأعلى.
ثم اقترب جبريل -عليه السلام- من النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى كان بينهما مسافة قوسين أو أدنى من ذلك، ليبلغ وحي الله -عز وجل- إلى عبده محمد -صلى الله عليه وسلم-. فلم يكذب قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- ما رآه بصره من صورة جبريل.
ثم تتوجه الآيات بخطاب إلى مشركي مكة، مستنكرة عليهم مجادلتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يراه من آيات ربه، بما في ذلك رؤيته لجبريل -عليه الصلاة والسلام- على صورته الحقيقية للمرة الثانية عند سدرة المنتهى
في السماء السابعة، بالقرب من جنة المأوى التي وعد بها المتقون. وقد غشي السدرة من أمر الله -عز وجل- شيء عظيم، لا يعلم وصفه إلا الله -سبحانه وتعالى-.
وعندما وصل النبي -صلى الله عليه وسلم- في رحلة المعراج إلى سدرة المنتهى، لم يلتفت ببصره يمينًا ولا شمالًا، ولم يتجاوز ما أُمر برؤيته. ولقد رأى في تلك الليلة من آيات ربه -سبحانه وتعالى- الكبرى، الدالة على قدرته وعظمته -عز وجل-، من الجنة والنار وغيرها.
المقطع الثاني: نظرة في معتقدات المشركين (19-28)
يتناول هذا الجزء من السورة الآلهة التي كان يعبدها العرب، موضحًا أن هذه الآلهة ليست إلا أسماء أطلقها الجاهلون وآباؤهم عليها، دون أن يكون لها أي حقيقة أو تأثير.
إن عبادة هذه الآلهة لن تجلب لهم النفع الذي يرجونه. كما أن الملائكة لا يشفعون لأحد إلا بإذن الله -عز وجل-. ويزعم الكفار زعمًا آخر باطلاً، وهو أن الملائكة بنات الله -سبحانه وتعالى عما يصفون-.
المقطع الثالث: إعراض عن الجاهلين ووصف المتقين (29-32)
يأمر الله -سبحانه وتعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يبتعد عن الذين لا يؤمنون بالقرآن ولا يهتمون إلا بالحياة الدنيا، فهي منتهى علمهم وإدراكهم. والله -سبحانه وتعالى- أعلم بمن ضل عن طريقه ومن اهتدى إليه، وله ملك كل شيء في الكون، وسيجازي كل شخص بما يستحقه من الجزاء.
ثم يذكر الله -سبحانه وتعالى- صفات المتقين، الذين يجتنبون كبائر الذنوب، مثل القتل والفواحش، مثل الزنا. ويتجاوز عن صغائر الذنوب التي لا يكاد يسلم منها أحد إلا من عصمه الله -عز وجل-. فهو -سبحانه وتعالى- غفار الذنوب، يغفر لمن فعل ذلك ثم تاب.
المقطع الرابع: تذكير بأحوال الأمم السابقة وقدرة الله (33-54)
تأمر الآيات الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يتأمل حال من أعرض عن طاعة الله -سبحانه وتعالى-، وأعطى شيئًا يسيرًا من ماله ثم أمسك. هل يزعم أن عنده علم الغيب ليحدد متى ينتهي رزقه؟ أم أنه لم يبلغه ما جاء به موسى وإبراهيم -عليهما الصلاة والسلام- بأن كل نفس تجازى بعملها، وأن العمل يُعرض على الله ويجازى عليه بأوفى الجزاء؟
ومن صفاته -سبحانه وتعالى- أنه أضحك وأبكى من شاء، وأنه وحده المتفرد بالإحياء والإماتة. وهو الذي خلق الزوجين، والقادر على إعادة الخلق مرة أخرى. وهو الذي يغني من يشاء من خلقه بالمال، فيجعله مالكًا له وراضياً به. وأنه رب نجم الشِّعْرى
الذي كان بعض أهل الجاهلية يعبدونه. وأنه أهلك عادًا وثمود وقوم نوح وقوم لوط.
المقطع الخامس: إنذار بقرب الساعة وأمر بالسجود (55-62)
تسأل الآيات الإنسان عن أي نعم الله -سبحانه وتعالى-، الدالة على وحدانيته وقدرته، يشك فيها. وتوضح أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رسول منذر كما أرسل الرسل من قبله. وقد اقتربت الساعة ودنت، ولا يقدر على كشفها إلا الله -سبحانه وتعالى-.
ثم تسأل الآيات الكريمة المشركين سؤال توبيخ: أَفَمِنْ هَٰذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا
.
كيف تعجبون من القرآن وتستهزئون به وتضحكون عند سماعه، ولا تبكون من وعيده وآياته، وأنتم لاهون غافلون؟ وتأمرهم فاسجدوا لله الذي خلقكم، وأفردوه بالعبادة وحده.
المراجع
- محمد سيد طنطاوي (1997)، التفسير الوسيط للقرآن الكريم (الطبعة 1)، القاهرة: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 55، جزء 14.
- نخبة من أساتذة التفسير (2009)، التفسير الميسر (الطبعة 2)، السعودية: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 526، جزء 1.
- الصابوني (1997)، صفوة التفاسير (الطبعة 1)، القاهرة: دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 258، جزء 3.