معاني سورة المزمل: نظرة مبسطة

استكشاف معاني سورة المزمل: دعوة النبي للدعوة، وأنواع العذاب للكافرين، قصة فرعون وعقابه، وتخفيف الله في قيام الليل.

بدء الدعوة النبوية

الآيات الأولى من سورة المزمل توجّه النبي صلى الله عليه وسلم نحو البدء في دعوة الناس إلى الإسلام. ويتجلى ذلك في:

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا* نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) [المزمل: 1-4].

يأمر الخالق سبحانه وتعالى نبيه الكريم، محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهو المتدثر بثيابه، أن ينهض من الليل لعبادة الله، بالصلاة وتلاوة القرآن بتأنٍ وتجويد، لتدبر معانيه. وقد خصص له أوقاتًا مطولة للقيام، تشمل نصف الليل أو أقل أو أكثر، حتى تقترب من ثلثي الليل، وقد امتثل الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر.

قال الله تعالى: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) [المزمل: 5].

القول الثقيل هو إشارة إلى التكاليف الشرعية التي قد تبدو صعبة على النفس، مثل الصيام والصلاة والابتعاد عن المحرمات. هذه التكاليف، على الرغم من ثقلها، تثقل ميزان الحسنات يوم القيامة. كما تشير الآية إلى صعوبة استقبال الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الله تعالى: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا) [المزمل: 6].

يقصد بناشئة الليل تلك الساعات التي يقضيها المؤمن في العبادة بعد الاستيقاظ من النوم، فهي أوقات أقرب إلى الخشوع والإخلاص، وتساعد على فهم معاني القرآن الكريم، وذلك لما يسود الليل من سكون وهدوء.

قال الله تعالى: (إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا) [المزمل: 7].

أي أن لك يا محمد فسحة من الوقت خلال النهار لتقضي حوائجك وشؤون حياتك المختلفة.

قال الله تعالى: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا) [المزمل: 8].

بمعنى أنه حتى أثناء انشغالك بأمور الحياة، لا ينبغي أن يغيب ذكر الله عن بالك، بل يجب أن تحافظ على ذكره في جميع الأوقات والأحوال.

قال الله تعالى: (رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا) [المزمل: 9].

إن ربك، الذي تذكره وتقوم له الليل، هو الجدير بالعبادة والتوكل، فهو مالك المشرق والمغرب، ومن كانت هذه صفته فهو الأحق بأن تتوكل عليه في كل أمورك.

قال الله تعالى: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) [المزمل: 10].

توضح هذه الآية الكريمة أن من يسلك طريق الدعوة سيواجه الأذى، وتدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصبر على ذلك، ومجاراتهم بلطف وتأنٍ.

ألوان العذاب للمنكرين

قال الله تعالى: (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا* إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا* وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا* يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلً) [المزمل: 11-14].

يهدد الله سبحانه وتعالى عظماء قريش، الذين كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم، والذين أنعم عليهم في الدنيا بالمال والجاه. سيمهلهم فترة قصيرة، ثم سينزل بهم العذاب في الدنيا، كما حدث في معركة بدر وغيرها، أما في الآخرة فالعذاب أشد.

حيث أعد الله لهم قيوداً عظيمة وثقيلة يكبلون بها، وناراً متقدة، وطعاماً كريه الطعم لا يستساغ يختنقون به، وعذاباً موجعاً لا يمكن وصفه. وسيقع هذا العذاب يوم القيامة، اليوم الذي تهتز فيه الأرض بشدة وتتزلزل الجبال، وتتحول الجبال الراسيات إلى تلال من الرمل المتناثر.

قصة فرعون مع موسى وجزاؤه

قال الله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا*فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا) [المزمل: 15-16].

يذكر الله سبحانه وتعالى بأنه أرسل إليهم رسولاً يشهد على أعمالهم، كما أرسل موسى عليه السلام إلى فرعون، فكذب فرعون الرسول، فحل به العذاب الشديد، فاحذروا أن تفعلوا مثل فعل فرعون، فتكون عاقبتكم مثل عاقبته.

تيسير قيام الليل على المؤمنين

قال الله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّـهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّـهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّـهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [المزمل: 20].

في هذه الآية الكريمة، يوضح الله سبحانه وتعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم قد التزموا بقيام معظم الليل امتثالاً للأمر الإلهي في بداية السورة. ثم جاءت هذه الآية لتخفف عنهم، وتقبل منهم أن يقوموا بما تيسر لهم من قراءة القرآن، وأبقت على فرضية القيام في حق النبي صلى الله عليه وسلم.

المصادر

  • وهبة الزحيلي (1991)، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (الطبعة 1)، دمشق: دار الفكر.
  • أبالصابوني (1997)، صفوة التفاسير (الطبعة 1)، القاهرة: دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع.
  • الزحيلي (1422)، التفسير الوسيط للزحيلي (الطبعة 1)، دمشق: دار الفكر.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

فهم آيات سورة المزمل ومعانيها

المقال التالي

معاني ودلالات سورة المسد

مقالات مشابهة