مقدمة حول سورة الشمس
تعتبر سورة الشمس من السور المكية التي أُنزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة. وهي من سور الجزء الثلاثين، وتتألف من خمس عشرة آية. تحمل هذه السورة تهديدًا واضحًا للمشركين الذين رفضوا الإسلام، وتنذرهم بعاقبة وخيمة كتلك التي حلت بالأمم السابقة. ولتأكيد أهمية الرسالة التي تحملها، استهلت السورة بالقسم بعدد من المخلوقات العظيمة التي تدل على قدرة الله ووحدانيته، وتستوجب عبادته وحده.
توضيح آيات سورة الشمس
وَالشَّمْسِ وَضُحاها
يقسم الله سبحانه وتعالى بالشمس وإشراقها. الإقسام بضحى الشمس هو تأكيد إضافي، فالضحى هو الوقت الذي ترتفع فيه الشمس وتزداد حرارتها. قيل أيضًا أن الضحى هو ضياء الشمس، أو حرارتها الشديدة. ويفسر ابن عباس رضي الله عنهما الآية بأنها تعني “جعل فيها الضوء وجعلها حارة”. فالقسم هنا بمخلوق عظيم من مخلوقات الله، وهي الشمس وما يصاحبها من ضياء وحرارة دائمين.
وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها
يقسم الله تعالى بالقمر عندما يتبع الشمس. معنى “تلاها” هو تبعها. قيل إن المقصود هنا هو الليلة التي يظهر فيها الهلال بعد غروب الشمس. فالقمر يتبع الشمس في الظهور. وذكر أحد المفسرين أن “تلاها” تعني أخذ من نورها، فالقمر يستمد نوره من الشمس. وقيل أيضاً أن المقصود هو اتباع القمر للشمس في دورته، فهو يشبهها في إشعاعه ونوره.
وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها
يقسم الله تعالى بآية أخرى من آياته الكونية، وهي النهار حين يكشف الظلمة وتتجلّى الشمس. فالنهار يبيّن ضوء الشمس ويكشفها ويظهر كمالها. عندما يكون النهار مكتملًا، تكون الشمس واضحة جلية.
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها
يقسم الله تعالى بالليل حين يغشى الشمس فيخفي نورها وشعاعها. الليل يغشى الشمس عندما تغيب، فيحل الظلام. وعندما يأتي الليل، يصبح نصف الكرة الأرضية مظلمًا والنصف الآخر مضيئًا.
وَالسَّماءِ وَما بَناها
يقسم الله تعالى بالسماء العظيمة ومن بناها. أي يقسم بنفسه، فهو الذي خلق السماء ورفعها بغير عمد. فالله تعالى يقسم بخلقه العظيم؛ بالسماء وما اشتملت عليه من أسرار، وما فيها من طبقات، وما خُلق فيها من ملائكة، وما فيها من أمور عظيمة لا يدركها العباد كالعرش واللوح المحفوظ وغير ذلك. وأقسم تعالى بذاته العظيمة التي أبدعت في صنع هذه الكائنات.
وَالْأَرْضِ وَما طَحاها
يقسم الله تعالى بالأرض وما طحاها، أي وبسطها وذلّلها لتيسير الحياة عليها. فالله تعالى خلق الأرض ممهدة للإنسان واستخلفه فيها لإعمارها، وليتنعم بما فيها من خيرات، وجعلها مذللة ممهدة ليسهل عليه العيش فيها والتمتع بخيراتها.
وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها
يقسم الله تعالى بالنفس ومن سواها، وهو الله تعالى. أما النفس، فقيل إن المقصود منها هو نبي الله آدم عليه السلام، وقيل إنها كل نفس خلقها الله تعالى وعدّلها، أو ساوى بينهم في الصحة والعافية، وفي العذاب الذي ينالونه جميعًا.
فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها
تتابع الآيات الحديث عن النفس التي خلقها الله تعالى. معنى ألهمها: أي علمها وعرّفها طريق الصلاح والتقوى، وطريق الفجور والضلال. وقيل: علمها الطاعة والمعصية. وقيل: إن معنى ألهمها أي عرفها طريق الخير وطريق الشر. وقد ثبت عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه كان عندما يقرأ هذه الآية يقول: (اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَن زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا)، أي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب من الله تعالى أن يجعل نفسه زكية، وأن يهديها تعالى إلى التقوى من عنده.
وروى أبو الأسود الدؤلي أن عمران بن حصين سأله عن أعمال النّاس إن كانت شيء كتبه الله عليهم وقدّره لهم، أم هي ما استقبلوه من رسالة نبيهم، فأجابه: بأنّه الأمر الذي كتبه الله عليهم، فقال له:(أَفلا يَكونُ ظُلْمًا؟ قالَ: فَفَزِعْتُ مِن ذلكَ فَزَعًا شَدِيدًا، وَقُلتُ: كُلُّ شيءٍ خَلْقُ اللهِ وَمِلْكُ يَدِهِ، فلا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، فَقالَ لِي: يَرْحَمُكَ اللَّهُ إنِّي لَمْ أُرِدْ بما سَأَلْتُكَ إلَّا لأَحْزِرَ عَقْلَكَ، إنَّ رَجُلَيْنِ مِن مُزَيْنَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللهِ فَقالَا: يا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ ما يَعْمَلُ النَّاسُ اليَومَ، وَيَكْدَحُونَ فِيهِ، أَشيءٌ قُضِيَ عليهم وَمَضَى فيهم مِن قَدَرٍ قدْ سَبَقَ، أَوْ فِيما يُسْتَقْبَلُونَ به ممَّا أَتَاهُمْ به نَبِيُّهُمْ، وَثَبَتَتِ الحُجَّةُ عليهم؟ فَقالَ: لَا، بَلْ شيءٌ قُضِيَ عليهم وَمَضَى فيهم، وَتَصْدِيقُ ذلكَ: {وَنَفْسٍ وَما سَوَّاهَا فألْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا})؛ ولهذا كان يدعوا رسول الله بالدعاء السابق.
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها…وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها
أي فاز من زكى الله نفسه بطاعته، وخاب من دساها؛ أي خسرت النفس التي دسّها الله تعالى بالمعصية. وقيل: خابت نفسٌ أضلّها وأغواها. فالمقصود أنّه أفلح من زكى نفسه بطاعة الله ورضاه، وقام بالأعمال الصالحة التي أمره بها تعالى، وخسر من دسّ نفسه بعصيان الله. ودسّاها من التدسيس، وهو إخفاء شيء في غيره. وقيل: إن دسّاها أي أغواها. وقيل: إن معنى خاب من دسّاها أي خسر الذي أخفى طاعته وأعماله الصالحة. وقد أقسم الله تعالى بالمخلوقات السابقة؛ لدلالتها على وحدانيّته، وعلى فوز المؤمن وخذلان الكافر.
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها…فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها
أي كذبت ثمود نبيها صالح عليه السلام بسبب طغيانِها وكفرها وخروجها عن الحد في عصيانها لله تعالى. ومعنى قوله تعالى:{إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا}، أي حين نهض الذي عقر ناقة صالح وذهب مسرعًا من غير تردد ليعقر الناقة. وقيل: إن اسمه هو قِدار بن سالف. وقد وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عنه عبد الله بن زمعة حيث قال:(أنَّهُ سَمِعَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخْطُبُ، وذَكَرَ النَّاقَةَ والذي عَقَرَ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: {إِذِ انْبَعَثَ أشْقَاهَا}، انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ، مَنِيعٌ في رَهْطِهِ، مِثْلُ أبِي زَمْعَةَ) وقيل أشقاها هو أحيمر ثمود.
وقوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}: فقد كان صالح عليه السلام يذكّرهم ويحذّرهم من أن يقربوا الناقة، أو يمسّوها بسوء، وقيل: أي ذروا ناقة الله تعالى وسقياها: أي دعوها وشربها؛ فقد كان لهم يوم يشربون به من البئر الذي عندهم، وجعل للناقة يوم تشرب به من البئر ذاته، فلم يعجبهم ذلك، فكذّبوا صالح عليه السلام وعقروا الناقة، والذي عقر الناقة هو الأشقى، وإنما قال تعالى: {فَعَقَرُوهَا}، لأنّهم قبلوا بفعلِه، ولم يُنكروا ذلك عليه.
فأهلكهم الله تعالى بذنبهم هذا، وبكفرهم وتكذيبهم لنبيهم، وعقرهم الناقة، وأطبق عليهم العذاب. ومعنى دمدم في قوله تعالى:{فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا}، أي دمّرهم وأهلكهم ربهم بسبب ذنوبهم وإجرامهم، وسوّى عليهم الدمدمة والهلاك الذي أرسله عليهم. فالله تعالى أرسل عليهم الصيحة، فلم يبقَ منهم صغير ولا كبير، ولا ذكر ولا أنثى.
وَلا يَخافُ عُقْباها
أي أن الله تعالى قد أهلكهم ولا يخشى عاقبة إهلاكهم، فهو الخالق والقادر في هذا الكون، لا يُسأل عما يفعل سبحانه وتعالى. وقيل: إن المقصود أنّه لم يخشَ الذي عقر الناقة عاقبة فعلته؛ وذلك بسبب جهله وطغيانه وكفره.
ملخص لأفكار الفقرة السابقة: تتماثل سورة الشمس مع غيرها من السور المكيّة في صلبها؛ حيث تدور حول التوحيد والإرشاد إلى الله عز وجل، وإثبات ذلك، بذكر آيات الله تعالى في هذا الكون، وبيان إبداعه، فقد أقسم الله تعالى بسبعة مخلوقات عظيمة، وتُحذر السورة المشركين من التمادي في كفرهم، وتُذكرهم بمصير من سبقهم من الأمم وبالعذاب الذي نالوه، وهي من قصار السور وآياتها خمس عشرة آية.
انعكاسات سورة الشمس على الفرد
لسورة الشمس آثار عظيمة في حياة المسلم منها:
- توضح للمسلم أن الفوز الحقيقي يكمن في نيل رضا الله سبحانه وتعالى، وأن الخسارة الحقيقية تكمن في إهمال النفس وتركها فريسة للمعاصي والذنوب.
- تدعو المسلم إلى التأمل في خلق الله وإبداعه، حيث يقسم الله في السورة بسبعة مخلوقات عظيمة تحمل منافع جمة للإنسان، مما يجعله يشكر الله على هذه النعم.
- توقظ في قلب المسلم الخوف من الله وعقابه، وتدفعه إلى الابتعاد عن المعاصي والتحذير منها، فالله تعالى أهلك قوم ثمود وجعلهم شركاء في جريمة عقر الناقة لأنهم لم ينكروا هذا الفعل الشنيع وشاركوا فيه.
- تبين للمسلم أن من يخشى العواقب لا يتهور في أفعاله، وأن من لا يخشاها سينال جزاءه العادل، ولهذا شدد الله العذاب على قوم ثمود وجعلهم عبرة للناس، فالله تعالى لا يخشى عاقبة إهلاكهم.
ملخص لأفكار الفقرة السابقة: لسورة الشمس انعكاسات عديدة على حياة المسلم، حيث تهديه إلى طريق الصلاح بتزكية نفسه، وتعينه على تدبر آيات الله والخوف من معصيته وعقابه، وتعلمه التفكير في العواقب قبل الإقدام على أي فعل، وتحثه على عدم السكوت عن المعاصي، فالسكون عنها مشاركة فيها.
المصادر
- سعيد حوى، الأساس في التفسير.
- ابن عاشور، التحرير والتنوير.
- شمس الدين القرطبي، تفسير القرطبي.
- أبو هبة الزحيلي، التفسير الوسيط.
- مجموعة من المؤلفين، التفسير الوسيط.
- ابن عبد السلام، تفسير العز بن عبد السلام.
- أبو محمد البغوي، تفسير البغوي.
- الرازي، تفسير ابن أبي حاتم.
- مسلم، صحيح مسلم.
- الواحدي، التفسير الوسيط للواحدي.
- محمد عبد اللطيف الخطيب، أوضح التفاسير.
- محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط لطنطاوي.
- البخاري، صحيح البخاري.
- حكمت بشير ياسين، الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور.
- مكي بن أبي طالب، الهداية الى بلوغ النهاية.
- مساعد الطيار، تفسير جزء عم للشيخ مساعد الطيار.
- محمد الأمين الهرري، تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن.
- وهبة الزحيلي، التفسير المنير للزحيلي.