معاني سورة الإنسان وفضائلها

استكشاف معاني سورة الإنسان: من قدرة الخالق إلى وصف نعيم الجنة وأخلاق أهلها، مع إبراز أهمية الصبر في الدعوة والتذكير باليوم الآخر.

إبداع الله في خلق الإنسان

تفتتح السورة المباركة بالحديث عن بديع صنع الله وقدرته الفائقة على الخلق، مع التذكير بالمنة العظيمة على بني البشر، حيث أنعم عليهم بنعمة الوجود وأرشدهم إلى سبل الخير والشر. الآيات الكريمة تصور هذه الحقيقة بجلاء:

(هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)

(الآيات 1-3). تبين هذه الآيات أن الله تعالى أوجد الإنسان من عدم، من شيء ضئيل لا قيمة له ولا يُذكر، وهي النطفة المختلطة من ماء الرجل والمرأة. ثم تطور هذا الكائن من حال إلى حال، حتى أصبح جنيناً كامل التكوين، ثم خرج إلى هذه الدنيا ليمتحن ويختبر.

وتذكر الآيات فضلاً آخر وهو نعمة السمع والبصر، وهما أداتان أساسيتان للإنسان في مسيرة حياته، يختبر من خلالهما؛ فإما أن يشكر الله على هذه النعم، بدءاً بنعمة الخلق من العدم، مروراً بنعمة السمع والبصر، فيختار طريق الإيمان والعمل الصالح، وبالتالي ينجح في الاختبار. وإما أن يكفر بهذه النعم، ويختار طريق الضلال، فيكون من الخاسرين الذين اختاروا طريق الكفر والجحود.

توضح هذه الفقرة الأصل الذي خلق منه الإنسان، وهو النطفة المهينة، وأنه لم يكن شيئاً يذكر، ثم أنعم الله عليه بنعم عظيمة كنعمتي السمع والبصر.

تصوير النعيم في الجنة

تنتقل الآيات الكريمة بعد ذلك لبيان جزاء الشاكرين والمؤمنين، وتعتبر هذه السورة من السور التي توسعت في وصف نعيم أهل الجنة، حيث استغرق هذا الوصف أكثر من نصف السورة. وفيما يلي بعض جوانب النعيم الذي ينتظر المؤمنين الشاكرين:

شراب أهل الجنة: شرابهم ممزوج بالكافور، وهو عين تجري في الجنة، يمتد معهم أينما ذهبوا. والكافور هو اسم عين في الجنة.

مسكن أهل الجنة: جزاهم الله على صبرهم وأعمالهم الصالحة في الدنيا بمساكن مريحة وهادئة، في بيئة معتدلة لا حر فيها ولا برد، وثمار الجنة قريبة منهم متدلية، قال تعالى:

(وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا)

(الآيات 12-14).

ضيافة أهل الجنة: في هذا الوصف تفصيل لشراب أهل الجنة، حيث يطوف عليهم الخدم بأواني من فضة، شفافة يرى ما بداخلها، ممزوجة بالزنجبيل كما مزجت بالكافور، وتملأ هذه الكؤوس من عين تسمى السلسبيل. وميزة هذه الكؤوس أنها مقدرة على قدر حاجة الإنسان، فلا تزيد ولا تنقص. ويطوف عليهم غلمان مخصصون لخدمتهم يشبهون اللؤلؤ في حسنهم، لا تزيد أعمارهم، ويبقون على نفس حالتهم من الجمال، قال تعالى:

(وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا)

(الآيات 15-18).

لباس أهل الجنة: تنتقل الآيات الكريمة للحديث عن لباس أهل الجنة، وهو الحرير الرقيق والسميك، وفيه بريق ولمعان، وقد جعل الله لهم أساور من فضة، قال تعالى:

(عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ)

(الآية 21).

التكريم من الله عز وجل: يرتقي أهل الجنة أكثر فأكثر، وذلك بتخصص شربهم من شراب الجنة من الله تعالى، قال تعالى:

(وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا)

(الآية 21).

ذكرت السورة نعيم أهل الجنة المتنوع، ومن ذلك الغلمان الذين يخدمونهم، وأنواع الأواني التي يشربون بها، وغير ذلك من تفاصيل نعيمهم.

خصال وأعمال أهل الجنة

تضمنت السورة الكريمة الصفات الخاصة بأهل الجنة التي أهلتهم لأن يحظوا برضى الله والفوز بجنانه، وهي كما يلي:

إطعام الطعام: فهم يكثرون من التصدق بالطعام، على الرغم من حبهم له وحاجتهم إليه، فيقومون بتوزيعه على مستحقيه من اليتامى والمساكين والأسرى، طالبين بذلك رضا الله تعالى.

الخوف من يوم القيامة: خوفهم من يوم القيامة، يوم الشدة والبأس، يدفعهم إلى عبادة الله وطاعته، راجين النجاة من أهوال ذلك اليوم.

الوفاء بالنذر: هم حريصون على أداء الواجبات، بالإضافة إلى الوفاء بما يوجبونه على أنفسهم من النذور عند تحققها.

في هذه الفقرة ذكرت صفات أهل الجنة التي أهلتهم لدخولها والتنعم بنعيمها، كالخوف من يوم القيامة، وإطعام الطعام، والوفاء بالنذر.

حث النبي على الثبات في الدعوة

بعد الحديث عن أهل الجنة، تنتقل الآيات للتوجيه الرباني لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليستطيع المضي والإكمال في طريق الدعوة إلى الإسلام، دون أن يثنيه أذى المشركين. ومن هذه التوجيهات:

الصبر على قضاء الله وقدره: وذلك بالصبر على أمر الله وعلى الدعوة إلى الإسلام.

اتباع الحق: وذلك باتباع سبل الثبات على الحق، وعدم اتباع الآثمين في إثمهم، أو الكافرين في أعمالهم إذا تعلق الأمر بقدر الله تعالى.

المداومة على ذكر الله: لما في هذه المداومة من تثبيت للنفس الإنسانية، واكتساب العون والقوة من الله للمسلم، والتي تعينه على الدعوة إلى الإسلام في هذه الحياة.

تذكير باليوم الآخر

تختتم السورة الكريمة بالحديث عن تفضيل الكفار للحياة الدنيا وتقديمها على الآخرة، متناسين ما ينتظرهم من سوء الجزاء على أفعالهم في الدنيا. وفي هذا التهديد تخفيف على المسلمين بأن العاقبة في الآخرة لهم، فالله قادر على إهلاك المفسدين، ولكنه يمهلهم بقضائه وحكمته.

لمحات من فضل السورة

لم يثبت في السنة النبوية فضل خاص لسورة الإنسان، وما يذكر في هذا الشأن هو من قبيل الأحاديث الموضوعة التي لا تصح نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وسورة الإنسان لها فضل في قراءتها كعموم سور القرآن، دون ورود أثر مخصص لها في تفضيلها؛ ومن الفضل العام لها ولبقية سور القرآن الكريم جزاء القراءة المضاعف؛ ففي قراءة كل حرف عشر حسنات، بالإضافة إلى السكينة الحاصلة للمؤمن جرّاء تلاوته لسور للقرآن الكريم.

يتضح مما سبق الجزاء العظيم المعد للمؤمنين في الجنة، لذا ينبغي على المسلم أن يتحلى بصفات أهل الجنة ليحظى بالمكانة الرفيعة عند الله، وأن يطمئن في حياته ودعوته، وأن يتذكر أن العاقبة لدين الله حتماً، مما يجعله دائم السعي للعمل والدعوة، مؤمناً بحكمة الله وقضائه، دون الالتفات إلى النتائج.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

استكشاف معاني سورة الإنسان

المقال التالي

معاني ودلالات سورة الانشقاق

مقالات مشابهة